الشعراء والأدباء إلّا أن التساهل في قبول الرواية التأريخية وكثرة الروايات الضعيفة في ذلك تشير إلى أصل المسألة وذلك غير موافق لأصول السياسة الشرعية ونصوصها وسنبيّن ذلك أكثر عند ذكرنا لسيرة المهدي وكذلك الرشيد إن شاء الله تعالى. بالإضافة إلى قتل جعفر البرمكي وغير ذلك من المظالم التي سنذكرها في حينها.
وقد أُمرنا أن لا نبخس الناس أشياءهم فنذكر المحاسن كما المساويء وكفى بالمرء فضلًا أن تُعَدَّ معايبه.
ولعلّ أول من تنبّه للتشويه التأريخي الحاصل لسير خلفاء بني العباس هو العلامة ابن خلدون رحمه الله تعالى:
فبعد أن تحدّث عن نقد الأسانيد والمتون التأريخية وعرضها على موازين معينة لمعرفة صدقها من كذبها سرد بعض الأمثلة عن التزوير والتشويه للروايات التأريخية ومنها ردّه للروايات التأريخية المكذوبة التي تتهم جزافًا الخليفة العباسي المجاهد هارون الرشيد بشرب الخمر، يقول ابن خلدون: وأما ما تموّه به الحكاية من معاقرة الرشيد الخمر، واقتران سكره بسكر الندمان فحاش لله "ما علمنا عليه من سوء". وأين هذا من حال الرّشيد، وقيامه بما يجب لمنصب الخلافة من الدين والعدالة، وما كان عليه من صحابة العلماء والأولياء ومحاوراته للفضيل بن عياض وابن السماك والعمري، ومكاتبته سفيان الثوري، وبكائه من مواعظهم، ودعائه بمكة في طوافه، وما كان عليه من العبادة والمحافظة على أوقات الصلوات وشهود الصبح لأول وقتها.
ويستطرد قائلًا: إن حال الرشيد في اجتناب الخمر كانت معروفة عند بطانته وأهل مائدته، ولقد ثبت عنه أنه عهد بحبس أبي نواس لما بلغه من انهماكه في المعاقرة حتى تاب وأقلع.
وأيضًا فقد كان من العلم والسذاجة بمكان لقرب عهده من سلفه المنتحلين