للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك ولم يكن بينه وبين جده أبي جعفر بعيد زمن، إنما خلفه غلامًا. وقد كان أبو جعفر بمكان من العلم والدين قبل الخلافة وبعدها. وهو القائل لمالك حين أشار عليه بتأليف الموطّأ: "يا أبا عبد الله إنه لم يبق على وجه الأرض أعلم مني ومنك وإني قد شغلتني الخلافة فضع أنت للناس كتابًا ينتفعون به تجنب فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر، ووطئه للناس توطئة" قال مالك: "فوالله لقد علمني التصنيف يومئذ". [مقدمة ابن خلدون: ٤٥ - ٤٦].

قلت وَرَدُّ ابن خلدون لهذه الأخبار من باب نقد المتون وبيان ما فيها من نكارات -أما نقد الأسانيد (أو النقد من الخارج) فقد بيّناه في مواضعه من تأريخ الطبري وبيّنَّا، عدم صحة هذه الروايات إسنادًا ناهيك عن هشاشة متونها كما بين ابن خلدون وكما سنبيّن في مواضعه إن شاء الله، والله الموفق.

ولكي نكون منصفين فإننا نقول من خلال تحقيقنا لمئات الروايات التأريخية من تأريخ الطبري وجدنا الآتي:

انبرى كثير من الخلفاء -سواء بسواء من بني أمية أو من بني العباس- (وهم من آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) - أقول انبرى هؤلاء لمحاربة أهل البدع الداعين إلى بدعهم والزنادقة والملاحدة وبالمقابل انبرى أهل الباع فوضعوا روايات مختلقة في مثالبهم أو بحثوا في سيرهم فجعلوا من الحبة قبة وسنضرب مثلًا يتعلق بخلفاء بني العباس. فقد عرف المهدي. بعدائه لأهل الأهواء والبدع وعُرِف عنه بسخائه وكثرة عطائه بل إنه -إذا صح التعبير- هو الخليفة العباسي الذي بدأ بما يسمى البحبحة في الإنفاق فأبوه المنصور كان حريصًا حرصًا شديدًا على المال العام وكذلك كان المهدي إلّا أنه بدأ ينفق على العلماء والفقهاء ثم منح بعض الشعراء المداحين جوائز سخية -فبدأ الوضاعون باستغلال ذلك والمبالغة في وصف عطايا المهدي حتى ذكروا أعدادًا خيالية غير واقعية، ولكن عوار هذه الروايات تظهر بمجرد دراسة متأنية للأسانيد، فقد أخرج الخطيب ومن طريقه ابن عساكر خبرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>