وملكوه وشدُّوه كتافًا مع الخشبة، فقال لهم أبو صالح: خذوا مني مائة ألف درهم واتركوني؛ فإن العرب لا تعطيكم شيئًا، قالوا له: أحضرها، قال: هاتوا ميزانًا، قالوا: ومن أين هاهنا ميزان؟ قال: فمن أين هاهنا ما أعطيكم! ولكن صيروا معي إلى المنزل، وأنا أعطيكم العهود والمواثيق أنِّي أفي لكم بذلك، وأوفر عليكم، فصاروا به إلى الحسن بن الحسين، فاستقبلتهم خيل للحسن بن الحسين، فضربوا رؤوسهم، وأخذوا سرخاستان منهم، فهمتهم أنفسهم، ومضى أصحاب الحسن بأبي صالح إلى الحسن، فلما وقفوه بين يديه، دعا الحسن قواد طبرستان؛ مثل محمد بن المغيرة بن شعبة الأزدي، وعبد الله بن محمد القُطقُطي الضبي والفتح بن قراط وغيرهم، فسألهم: هذا سرخاستان؟ قالوا: نعم، فقال لمحمد بن المغيرة، قم فاقتله بابنك وأخيك، فقام إليه فضربه بالسيف، وأخذته السيوف فقتل.
[ذكر خبر أبي شاس الشاعر]
وكان أبو شاس الشاعر، وهو الغطريف بن حُصين بن حنش فتًى من أهل العراق، ربِّيَ بخراسان، أديبًا فهمًا، وكان سرخاستان ألزمه نفسه يتعلم منه أخلاق العرب ومذاهبها، فلما نزل بسرخاستان ما نزل به، وأبو شاس في معسكره، ومعه دواب وأثقال، هجم عليه قوم البُخارية، من أصحاب الحسن؛ فانتهبوا جميع ما كان معه، وأصابته جراحات، فبادر أبو شاس فأخذ جرة كانت معه، فوضعها على عاتقه، وأخذ بيده قدحًا، وصاح: الماء للسبيل؛ حتى أصاب غفلة من القوم، فهرب من مضربه، وقد أصابته جراحة، فبصر به غلام - وقد كان مرَّ بمضرب عبد الله بن محمد بن حميد القُطْقُطي الطبري، وكان كاتب الحسن بن الحسين - فعرفوه، عَرَفَهُ خدمه، وعلى عاتقه الجرة وهو يسقى الماء، فأدخلوه خيمتهم، وأخبروا صاحبهم بمكانه، فأدخل عليه، فحمله وكساه، وأكرمه غاية الإكرام، ووصفه للحسن بن الحسين، وقال له: قل في الأمير قصيدة، فقال أبو شاس: والله لقد امّحَى ما في صدري من كتاب الله من الهول، فكيف أحسن الشعر! ووجه الحسن برأس أبي صالح سرخاستان إلى عبد الله بن طاهر، ولم يزل من معسكره.