للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابه بالفتور والتغيُّر، فصار إلى أبيه بِطَيسَبون حتى دخل عليه، وأعلمه ما قد تبتنه من أصحابه وشاوره، فأشار عليه بالمصير إلى مَوْريق ملك الروم ليستنجدهُ، فأحْرز حُرَمَه في موضع أمِنَ عليهم بهرامَ، وومضى في عدَّة يسيرةٍ، منهم بِنْدي ونجسطام وكُرْدي أخو بهرام جوبين حتى صار إلى أنْطَاكيَة، وكاتَبَ موريق فقَبِلَه، وزوَّجه ابنةً له كانتْ عزيزةً عليه، يقال لها: مَرْيم. وكان جميع مدَّة مُلْك هرمز بن كسرى في قول بعضهم، إحدى عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرة أيام. وأمَّا هشام بن محمد فإنَّه قال: كان ملكه اثنتي عشرة سنة.

[[ذكر ملك كسرى أبرويز بن هرمز]]

ثم مَلَك كِسرى أبَرْويز بن هرمز بن كسرى أنوشِروان، وكان من أشدّ ملوكهم بطشًا، وأنْفِذهم رأيًا، وأبْعدهم غوْرًا، وبلغ -فيما ذُكر- من البأس والنَّجْدة والنَّصر والظَّفَر وجمْع الأمْوال والكنوز ومُساعدة القَدَر ومساعفة الدَّهْر إيّاه ما لم يتهيَّأ لملك أكثر منه، ولذلك سُمَّي أبْرويز، وتفسيرُه بالعربية: "المظفّر". وذُكر: أنه لمَّا استوْحش من أبيه هرمز - لِمَا كان من احْتِيال بهرام جوبين في ذلك، حتَّى أوْهم هرمز: أنَّه على أن يقوم بالملْك لنفسه دونه - سار إلى آذربيجان مكتَتِمًا، ثم أظهر أمره بعد ذلك، فلمَّا صار في النَّاحية اجتمعت إليه جماعة ممَّن كان هناك من الإصْبَهْبَذين وغيرهم، فأعْطوْه بيعتَهم على نُصْرته؛ فلم يُحْدث في الأمر شيئًا. وقيل: إنَّه لما قتل آذينْجُشْنَس المُوَجَّه لمحاربة بهرام جوبين، انفَضَّ الجمعْ الذي كان معه حتى وافوا المدائن، واتَّبعهم جوبين، فاضطرب أمر هرمز، وكتَبَتْ أختُ آذينْجُشْنَس إلى أربرْويز - وكانت تِرْبه - تخبره بضعْف هرمز للحادث في آذِينجُشْنَس، وأنَّ العظماءَ قد أجْمعوا على خلعه، وأعْلمته: أن جوبين إن سَبَقَه إلى المدائن قبل مُوَافاته احتوى علَيها.

فلمَّا ورد الكتاب على أبَرْويز، جمع من أمْكنه من أرْمينِيَة وآذربيجان، وصار بهم إلى المدائن، واجتمع إليه الوجوهُ والأشراف مسرورين بِمُوَافاته، فتتَوّج بتاج الملْك، وجلس على سريره، وقال: إنَّ من ملّتنا إيثارَ البِرّ، ومن رأينا العمل بالخير، وإنّ جدَّنا كِسْرى بن قُباذ كان لكم بمنزلة الوالد، وإنَّ هرمز أبانَا كان لكم قاضيًا عادلًا، فعليكم بلزوم السَّمع والطاعة. فلما كان في اليوم الثالث؛ أتى أباه فسجد له، وقال: عمَرك الله أيها الملك! إنَّك تعلم أنِّي بريءٌ مما أتى

<<  <  ج: ص:  >  >>