إليك المنافقون، وأني إنَّما تواريت ولحقت بآذربيجان خوفًا من إقدامك على القتل، فصدَّقه هرمز، وقال له: إنَّ لي إليك يا بُنيَّ حاجتين، فأسْعِفني بهما؛ إحداهما: أن تنْتقم لي ممَّن عاون على خلْعِي والسَّمْل لعينيَّ، ولا تأخذْك فيهم رأفة؛ والأخرى: أن تُؤْنسنِي كلَّ يوم بثلاثة نفر لهم أصالة رأي، وتأذن لهم في الدخول عليّ. فتواضع له أبَرْويز وقال: عمّرك الله أيُّها الملك! إنَّ المارق بهرام قد أظلَّنا ومعه الشجاعةُ والنَّجدة، ولسْنا نقدر أن نمدَّ يدًا إلى من آتى إليك ما آتى، فإن أدالِني اللهُ على المنافق؛ فأنا خليفتُك وطوْعُ يدك.
وبلغ بَهرامَ قدومُ كِسْرى، وتمليك الناس إياه، فأقبل بجنده حثيثًا نحو المدائن، وأذكى أبَرْويزُ العيون عليه، فلمَّا قرُبَ منه رأى أبَرْويز: أن التَّرفُّق به أصْلح، فتسلَّح وأمر بِنْدُويه وبِسْطام وناسًا كان يَثِقُ بهم من العظماءِ وألفَ رجُل من جنْده، فتزيَّنوا وتسلَّحوا، وخرج بهم أبَرْويز من قصْره نحو بهرام، والنَّاس يدعون له، وقد احْتوَشه بِنْدُويه وبِسطام وغيرُهما من الوجوه حتَّى وقف على شاطئ النَّهْرَوان، فلمَّا عرف بهرام مكانَه، ركب بِرْذَوْنًا له أبلقَ كان معجبًا بِه، وأقْبَل حاسِرًا ومعه إيزَدْجُشْنَس وثلاثةُ نفر من قرابة مَلِك الترك كانوا جَعَلوا لبهرام على أنفْسهم أن يأتوه بابَرْويز أسيرًا، وأعْطاهم بهرامُ على ذلك أموالًا عظيمة. ولمَّا رأى بَهْرام بِزَّة كسرى وزينتَه والتاجَ، يُسَايره معه "دِرَفْش كابيان" علَمُهُمِ الأعْظم منشورًا، وأبصر بِنْدُويَه وبِسْطام وسائرَ العُظماء وحسنَ تسلحِهم وفراهة دوابِّهم؛ اكْتأب لذلك، وقال لمن معه: ألا تَروْن ابنَ الفاعلة قد ألْحَمَ وأشْحم، وتحوَّل من الحداثة إلى الحُنْكة، واسْتَوَتْ لِحْيَتهُ وكَملَ شبابهُ، وعظُم بَدَنُه؛ فبينا هو يتكلَّم بهذا وقد وقف على شاطئ النَّهروان؛ إذ قال كِسْرى لبعض منْ كان واقفًا: أيّ هؤلاء بهرام؟ فقال أخ لبهرام يسمَّى كُرْدي لم يزل مُطيعًا لأَبَرْويز مُؤْثرًا له: عمَّرك الله! صاحبُ البِرْذون الأبلق. فبدأ كِسرى فقال: إنَّك يا بهرام رُكنٌ لمملكتنا وسنادٌ لرعيَّتنا، وقد حَسُن بلاؤُك عندنا، وقد رأينا أن نخْتار لك يومًا صالحًا لنُولِّيَكَ فيه إصْبَهْبَذَةَ بلاد الفرس جميعًا؛ فقال له بهرام - وازداد من كِسْرى قربًا -: لكنِّي أختار لك يومًا أصلبك فيه، فامتلأ كِسْرى حُزنًا من غير أن يبدوَ في وجْهه من ذلك شيء، وامتدَّ بينهما الكلام، فقال بهرام لأَبَرْويز: يا بن الزانية المُرَبَّى في خيام الأكراد! هذا ومثله، ولم يقبل شيئًا ممَّا عرضه عليه، وجرى