ذكر عن أبي الوزير أحمد بن خالد، أنه قال: بعثني المعتصم في سنة تسع عشرة ومائتين، وقال لي: يا أحمد، اشترِ لِي بناحية سامراء موضعًا أَبني فيه مدينة؛ فإني أتخوفُ أَن يصيحَ هؤلاء الخرمية صيحة، فيقتلوا غلماني؛ حتى أكونَ فوقهم، فإِن رابني منهم ريبٌ أتيتُهم في البر والبحر؛ حتى آتي عليهم، وقال لي: خذ مائة ألف دينارٍ، قال: قلتُ: آخذ خمسة آلاف دينار، فكلَّما احتجتُ إلى زيادةٍ بعثتُ إليكَ فاستزدتُ؟ قال: نعم؛ فأتيت الموضع، فاشتريتُ سامراء بخمسمائةِ درهم من النصارى أصحاب الدير، واشتريتُ موضع البستان الخاقاني بخمسة آلاف درهم، واشتريتُ عدَّة مواضعٍ حتى أحكمت ما أردت، ثم انحدرتُ فأتيته بالصكاك، فعزم على الخروج إليها في سنة عشرين ومائتين، فخرج حتى إذا قارب القاطول ضُربت له فيه القباب والمضارب، وضرب الناس الأخبية، ثم لم يزل يتقدَّم وتضرب له القباب حتى وضع البناء بسامراء سنة إحدى وعشرينَ ومائتين.
فذكر عن أبي الحسن بن أبي عباد الكاتب، أن مسرورًا الخادم الكبير، قال: سألني المعتصم: أين كانَ الرشيد يتنزَّهُ إذا ضجرَ من المقامِ ببغداد؟ قال: قلتُ لهُ: بالقاطول، وقد كان بنى هُناكَ مدينةً آثارها وسورها قائم؟ وقد كان خافَ من الجند ما خاف المعتصم، فلما وثبَ أهلُ الشأم بالشأم وعصوا، خرج الرشيد إلى الرَّقة فأقامَ بها، وبقيت مدينة القاطول لم تستتمَّ، ولما خرجَ المعتصم إلى القاطول استخلفَ ببغداد ابنهُ هارون الواثق.
وقد حَدَّثني جعفر بن بوَّازة الفرَّاء، أن سبب خروج المعتصم إلى القاطول، كانَ أنَّ غلمانهُ الأتراك لا يزالون يجدُون الواحد بعد الواحد منهم قتيلًا في أرباضها؛ وذلكَ أنهم كانوا عُجْمًا جفاة يركبون الدواب، فيتراكضون في طُرق بغداد وشوارعها، فيصدمون الرجل والمرأة ويطئون الصبي، فيأخذهم الأبناء فينكسونهم عن دوابهم ويجرحون بعضهم، فربما هلكَ من الجراحِ بعضهم، فشكت الأتراك ذلكَ إلى المُعْتصم، وتأذَّت بهم العامة، فذُكِرَ أَنهُ رأى المعتصم راكبًا منصرفًا من المصلى في يوم عيد الأضحى أو فطر؛ فلما صار في مربعة