مَنْ يبارز؟ فخرج رجل منَّا يقال له شَبْر بن علقمة - وكان قصيرًا قليلًا دميمًا - فقال: يا معشر المسلمين قد أنصفكم الرّجل! فلم يُجبه أحدٌ؛ ولم يخرج إليه أحد، فقال: أما والله لولا أن تزدروني لخرجت إليه، فلمَّا رأى أنه لا يُمنع أخذ سيفه وحَجَفته، وتقدّم، فلمَّا رآه الفارسيّ هدَر، ثم نزل إليه فاحتمله، فجلس على صدره، ثم أخذ سيفه ليذبحه ومِقْوَدُ فرسه مشدود بمِنْطقه، فلما استلّ السيف حاص الفرس حيصة فجذبه المقود، فقلبه عنه، فأقبل عليه وهو يُسْحب، فافترشه، فجعل أصحابه يصيحون به، فقال: صيحوا ما بدا لكم؛ فوالله لا أفارقه حتى أقتله وأسلبه. فذبحه وسلبه، ثم أتى به سعدًا، فقال: إذا كان حين الظُّهر فائتني، فوافاه بالسَّلَب، فحمِد الله سعد وأثنى عليه، ثم قال: إنِّي قد رأيتُ أن أنحله إيَّاه، وكلّ مَن سلب سلبًا فهو له، فباعه باثني عشر ألفًا (١). (٣: ٥٥٤/ ٥٥٥).
ليلة القادسيّة
١٣٨ - كتب إليّ السريُّ عن شعيب، عن سيف، عن محمّد وطلحة وزياد، قالوا: وأصبحوا ليلة القادسيَّة؛ وهي صُبْحة ليلة الهرير، وهي تسمّى ليلة القادسيَّة، من بين تلك الأيام والناس حَسْرَى، لم يغمضوا ليلتهم كلَّها، فسار القعقاع في النَّاس، فقال: إن الدّبْرة بعد ساعة من بدأ القوم، فاصبروا ساعة واحملوا، فإنّ النّصر مع الصّبر، فآثروا الصّبر على الجزَع؛ فاجتمع إليه جماعة من الرؤساء، وصمدوا لرستم، حتى خالطوا الَّذيِن دونه مع الصُّبح. ولما رأت ذلك القبائل قامَ فيها رجال، فقام قيس بن عبد يَغوث والأشعث بن قيس وعمرو بن معديكرب وابن ذي السَّهمَين الخثعميّ وابن ذي البُرْدَينِ الهلاليّ، فقالوا: لا يكوننّ هؤلاء أجدّ في أمر الله منكم، ولا يكوننّ هؤلاء - لأهل فارس - أجرأ على الصوت منكم؛ ولا أسخَى أنفسهًا عن الدنيا، تَنافسوها، فحملهوا ممَّا يليهم حتى خالطوا الَّذِين بإزائهم، وقام في ربيعة رجال، فقالوا: أنتم أعلم الناس بفارس وأجرؤهم عليهم فيما مضى؛ فما يمنعكم اليوم أن تكونوا أجرأ مما كنتم بالجرْأة! فكان أوّل مَن زال حين قام قائم الظهيرة الهُرْمزان والبيرزان، فتأخَّرا وثبتا