الكتاب مختومًا، فَفضوا خاتمه فلم يجدوا فيه شيئًا، إلّا:"بسم الله الرحمن الرحيم"، فغلظ ذلك عليهم وعلموا أنّ ما كان خداش أتاهم به لأمره مخالف.
وفي هذه السنة وجّه محمد بن عليّ بكير بن ماهان إلي شيعته بخُراسان بعد منصرَف سليمان بن كَثير من عنده إليهم، وكتب معه إليهم كتابًا يعلمهم أن خِداشًا حمل شيعته علي غير مِنهاجه، فقدم عليهم بكير بكتابه فلم يصدّقوه واستخفّوا به؛ فانصرف بكير إلي محمد بن عليّ، فبعث معه بعصيّ مضبّبة بعضها بالحديد وبعضها بالشّبَه؛ فقدم بها بكير وجمع النقباء والشّيعة، ودفع إلي كلّ رجل منهم عصًّا، فعلموا أنهم مخالفون لسيرته، فرجعوا وتابوا (١).
* * *
وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك خالدَ بن عبد الله عن أعماله التي كان ولاه إياه كلَّها.
ذكر سبب عزل هشام خالدًا
قد قيل في ذلك أقوال، نذكر ما حضرنا من ذلك ذكره؛ فممّا قيل في ذلك: إن فَرُّوخ أبا المثني كان قد تقبَّل من ضياع هشام بن عبد الملك بموضع يقال له رُستاق الرّمان أو نهر الرّمان -وكان يُدعي بذلك فرّوخ الرّمانيّ- فثقل مكانه علي خالد، فقال خالد لحسان النَّبطيّ: ويحك! اخرج إلي أمير المؤمنين فزِدْ علي فرّوخ، فخرج فزاد عليه ألف ألف درهم؛ فبعث هشام رِجلين من صُلحاء أهل الشأم، فحازَا الضياع، فصار حسان أثقلَ علي خالد من فرّوخ؛ فجعل يضرّ به، فيقول له حسّان: لا تفسدني وأنا صنيعتك! فأبي إلَّا الإضرار به، فلما قدم عليه بثق البثوق علي الضّياع، ثم خرج إلي هشام، فقال: إن خالدًا بَثَق البُثوق علي ضياعك. فوجّه هشام رجلًا، فنظر إليها ثم رجع إلي هشام فأخبره، فقال حسان لخادم مِن خدم هشام: إن تكلّمتَ بكلمة أقولها لك حيث يسمع هشام، فلك عندي ألف دينار، قال: فعجِّل لي الألف وأقول ما شئت، قال: فعجّلها له وقال له: بَكّ صبيًّا من صبيان هشام؛ فماذا بكي فقل له: اسكت؛ والله لكأنك ابنُ خالد
(١) ذكره الطبري كعادته في ذكر دعوة بني العباس بلا إسناد وانظر البداية والنهاية [٧/ ٢٠٢].