للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسريّ الذي غلّته ثلاثة عشر ألف ألف. فسمعها هشام فأغضي عليها. ثم دخل عليه حسّان بعد ذلك، فقال له هشام: ادنُ مني فدنا منه، فقال: كم غَلّة خالد؟ قال: ثلاثة عشر ألف ألف، قال: فكيف لم تخبرني بهذا! قال: وهل سألتَني؟ فوقرتْ في نفس هشام، فأزمع علي عزله.

وقيل: كان خالد يقول لابنه يزيد: ما أنت بدون مسلمة بن هشام؛ فإنّك لتفخر علي الناس بثلاث لا يفخر بمثلها أحدٌ: سكَرْت دجلة ولم يتكلّف ذلك أحد، ولي سِقايةٌ بمكة، ولي ولاية العراق.

وقيل: إنّما أغضب هشامًا علي خالد: أنّ رجلًا من قريش دخل علي خالد فاستخفّ به عضّه بلسانه، فكتب إلي هشام يشكوه، فكتب هشام إلي خالد:

أمّا بعد؛ فإنَّ أمير المؤمنين -وإن كان أطلق لك يدك ورأيك فيمن استرعاك أمره، واستحفظك عليه، للّذي رجا من كفايتك، ووثِق به من حسن تدبيرك- لم يُفرشك غُرّة أهل بيته لتطأه بقدمِك، ولا تحدّ إليه بصرك؛ فكيف بك وقد بسطت علي غُرّتهم بالعراق لسانَك بالتوبيخ؛ تريد بذلك تصغير خَطَره، واحتقار قدره؛ زعمت بالنّصفة (١) منه حتي أخرجك ذلك إلي الإغلاظ في اللفظ عليه في مجلس العامة، غير متحلحل (٢) له حين رأيتَه مقبلًا من صدر مهادك الذي مهد له الله، وفي قومك مَن يعلوك بحسبه، ويغمرُك بأوّليته، فنِلتَ مهَادَك بما رفع به آلُ عمرو من ضَعتك خاصّةً، مساوين بك فروع غُرَر القبائل وقرومها (٣) قِبَل أمير المؤمنين؛ حتي حللتَ هضبةً أصبحتَ تنحو (٤) بها عليهم مفتخرًا، ها إن لم يدهده بك قلة شكرك متحطّمًا وقيذًا (٥). فهلّا -يا بن مجرّشة (٦) قومك- أعظمت رجُلَهم عليك داخلًا، ووسَّعت مجلسه إذ رأيتَه إليك مقبلًا، وتجافيتَ له عن


(١) النصفة: الانتصاف. القاموس المحيط ص ١١٠٧.
(٢) غير متحلحل؛ أي غير متزحزح؛ يقال: حلحله؛ إذا أزاله عن مكانه. القاموس المحيط ص ١٢٧٥.
(٣) القروم: جمع قرم؛ وهو السيد. القاموس المحيط ص ١٤٨١.
(٤) تنحو بها؛ أي تطل وتشرف. القاموس المحيط ص ١٧٢٤.
(٥) دهده الحجر فتدهده؛ دحرجه فتدحرج لسان العرب (٣/ ٤٣٤)، والوقيذ: الصريع. القاموس المحيط ص ٤٣٣.
(٦) المجرشة: الماشطة؛ يقال: جرش رأسه بالمشط؛ إذا حكه. القاموس المحيط ص ٧٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>