ذُكر عن محمد بن الهيثم بن عديّ، أن إبراهيم بن عيسى بن بُريهَة بن المنصور، قال: لما أراد المأمون الشخوصَ إلى دمشق هيّأتُ له كلامًا، مكثت فيه يومين وبعض آخر، فلما مثلتُ بين يديه قلتُ: أطال الله بقاء أمير المؤمنين، في أدوم العزّ وأسبغ الكرامة، وجعلني من كلِّ سوء فداه! إنّ من أمسى وأصبح يتعرّف من نعمة الله، له الحمد كثيرًا عليه برأي أمير المؤمنين أيّده الله فيه، وحُسْن تأنيسه له، حقيق بأن يستديم هذه النعمة، ويلتمس الزيادة فيها بشكر الله وشكر أمير المؤمنين، مدّ الله في عمره عليها. وقد أحبّ أن يعلم أميرُ المؤمنين أيّده الله أني لا أرغب بنفسي عن خدمته أيده الله بشيء من الخَفْض والدّعة؛ إذ كان هو أيّده الله يَتجشَّم خُشونة السفر ونصب الظَّعْن، وأوْلى الناس بمواساته في ذلك وبذل نفسه فيه أنا، لما عرّفني اللهُ من رأيه، وجعل عندي من طاعته ومعرفة ما أوجب الله من حقه؛ فإن رأى أميرُ المؤمنين أكرمه الله أن يكرمني بلزوم خدمته، والكينونة معه فعل. فقال لي مبتدئًا من غير تروية: لم يعزمُ أميرُ المؤمنين في ذلك على شيء، وإن استصحب أحدًا من أهل بيتك بدأ بك؛ وكنت المقدَّم عنده في ذلك، ولا سيما إذْ أنزلتَ نفسك بحيث أنزلكَ أمير المؤمنين من نفسه؛ وإن ترك ذلك فمن غير قِلىً لمكانك؛ ولكن بالحاجة إليك. قال: فكان واللهِ ابتداؤه أكثرَ من تَرْوِيتي.
وذكر عن محمد بن عليّ بن صالح السرخسيّ، قال تعرّض رجلٌ للمأمون بالشام مرارًا، فقال له: يا أميرَ المؤمنين، انظر لعرب الشّأم كما نظرت لعجم أهل خراسان! فقال: أكثرت عليّ يا أخا أهل الشام؛ والله ما أنزلت قيسًا عن ظهور الخيل إلّا وأنا أرى أنه لم يبقَ في بيتِ مالي درهم واحد؛ وأما اليمن فولله ما أحببتُها ولا أحبّتني قطّ؛ وأما قُضاعة فسادتُها تنتظر السفيانيّ وخروجَه فتكونُ من أشياعه، وأمّا رَبيعة فساخطةٌ على الله منذ بعث نبيَّه من مُضَر؛ ولم يخرج اثنان إلا خرج أحدهما شاريًا، اعزُبْ فعل الله بك!
وذُكر عن سعيد بن زياد أنه لما دخل على المأمون بدمشق قال له: أرِني الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكم، قال: فأريته، قال: فقال: إني لأشتهي أن