للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدري أيّ شيء هذا الغِشاء على هذا الخاتم؟ قال: فقال له أبو إسحاق: حُلّ العقد حتى تدري ما هو، قال: فقال: ما أشكّ إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عقد هذا العقد، وما كنت لأحلّ عقدًا عقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال للواثق: خذه فضعْه على عينك؛ لعلّ الله أن يشفيَك. قال: وجعل المأمون يضعه على عينه ويبكي.

وذُكر عن العَيْشيّ صاحب إسحاق بن إبراهيم، أنه قال: كنت مع المأمون بدمشق، وكان قد قلّ المال عندَه حتى ضاق، وشكا ذلك إلى أبي إسحاق المعتصم، فقال له: يا أميرَ المؤمنين، كأنك بالمال وقد وافاكَ بعد جمعة. قال: وكان حمل إليه ثلاثون ألف ألف مِنْ خراج ما يتولاه له، قال: فلما وردَ عليه ذلك المال، قال المأمون ليحيى بن أكثم: اخرج بنا ننظر إلى هذا المال، قال: فخرجا حتى أصحَرا، ووقفا ينظرانه؛ وكان قد هُيِّيء بأحسن هيئة، وحُلِّيَتْ أباعِرُه، وألبِست الأحلاس الموشّاة والجِلال المصبّغة وقُلِّدت العِهنَ، وجعِلت البدر بالحرير الصيني الأحمر والأخضر والأصفر، وأبديت رؤوسها. قال: فنظر المأمون إلى شيء حسن، واستكثر ذلك، فعظم في عينه، واستشرَفه الناس ينظرون إليه، ويعجبون منه، فقال المأمون ليحيى: يا أبا محمد، ينصرف أصحابنا هؤلاء الذين تراهم الساعة خائبين إلى منازلهم، وننصرف بهذه الأموال قد ملكناها دونهم! إنا إذًا للئام. ثم دعا محمد بن يزداد، فقال له: وقّع لآل فلان بألف ألف، ولآل فلان بمثلها، ولآل فلان بمثلها. قال: فولله إنْ زال كذلك حتى فرّق أربعة وعشرين ألف ألف درهم ورجله في الركاب، ثم قال: ادفع الباقي إلى المعلَّى يعطي جندنا. قال العيشيّ: فجئت حتى قمت نصب عينه، فلم أردّ طرفي عنها، لا يلحظني إلا رآني بتلك الحال. فقال: يا أبا محمد، وقّع لهذا بخمسين ألف درهم من الستة الآلف ألف؛ لا يختلس ناظري. قال: فلم يأت عليَّ ليلتان حتى أخذت المال (١).


(١) ذكر الطبري هذا الخبر عن العيشي توفي ٢٢٨ هـ أخباري صدوق كان عالمًا بالعربية وأيام الناس [تأريخ بغداد/ ١٠/ ٣١٤ [و [سير أعلام/ تر ٥٤٦٢] وهذا الخبر إذ صح فهو منقبة من جانب ومخلبة من جانب آخر، فمن جانب يبين الخبر أن المأمون كان عطوفًا على رعيته لا يستأثر بالمال العام عنهم بالرغم من حاجة خزينة الدولة إلى ذلك المال ومن جانب آخر عمل غير جيد لأنه فرّط في المال العام وإن كان إنفاقًا على الناس ولكن للإنفاق ضوابط في =

<<  <  ج: ص:  >  >>