للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر عن محمد بن أيوب بن جعفر بن سليمان؛ أنه كان بالبصرة رجلٌ من بني تميم، وكان شاعرًا ظريفًا خبيثًا منكرًا؛ وكنت أنا والي البصرة، آنسُ به وأستحليه؛ فأردتُ أن أخدَعه وأستنزله، فقلت له: أنت شاعر وأنت ظريف، والمأمون أجودُ من السحاب الحافل والريح العاصف؛ فما يمنعك منه؟ قال: ما عندي ما يُقلُّنِي، قلت: فأنا أعطيك نجيبًا فارهًا، ونفقة سابغة، وتخرج إليه وقد امتدحتَه؛ فإنك إن حظيتَ بلقائه، صرْت إلى أمنيّتك. قال: والله أيها الأمير ما إخالك أبعدت؛ فأعدّ لي ما ذكرت. قال: فدعوتُ له بنجيب فاره، فقلت: شأنك به فامتطه؛ قال: هذه إحدى الحُسنيَيْن، فما بال الأخرى! فدعوت له بثلثمائة درهم، وقلت: هذه نفقتك؛ قال: أحسبك أيها الأمير قصَّرت في النفقة، قلت: لا، هي كافية، وإن قصّرت عن السّرف. قال: ومتى رأيت في أكابر سعد سرفًا حتى تراه في أصاغرها! فأخذ النجِيب والنفقة، ثم عمل أرجوزة ليست بالطويلة، فأنشد فيها وحذف منها ذكري والثناء عليّ - وكان ماردًا - فقلت له: ما صنعتَ شيئًا. قال: وكيف؟ قلت: تأتي الخليفةَ ولا تُثْنِي على أميرك! قال: أيّها الأمير أردت أن تخدعني فوجدتني خدّاعًا، ولمثلها ضرب هذا المثل: "من يَنِك العَيْر يَنك نيَّاكًا"؛ أما والله ما لكرامتي حملْتَني على نجيبك، ولا جُدْت لي بمالك الذي ما رامه أحد قطّ إلا جعل الله خدّه الأسفل؛ ولكن لأذكرك في شعري وأمدحك عند الخليفة، أفهم هذا. قلت: قد صدقت، فقال: أمّا إذْ أبديتَ ما في ضميرك، فقد ذكرتك، وأثنيت عليك، فقلت: فأنشدني ما قلتَ، فأنشدنيه، فقلت: أحسنت؛ ثم ودّعني وخرج فأتى الشام؛ وإذا المأمون بسلغَوس. قال: فأخبرَنَي، قال: بينا أنا في غزَاةٍ قرَّة، قد ركبتُ نجيبِي ذاك، ولبستُ مقطّعاتي، وأنا أروم العسكر؛ فإذا أنا بكهل على بَغْل فاره ما يُقَرّ قراره، ولا يدرك خطاه. قال: فلتقَّاني مكافحة ومواجهة، وأنا أردّد نشيد


= السياسة الشرعية التزم بها الخلفاء الراشدون (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن رضي الله عنهم) ومن بعدهم الصحابي الجليل سيدنا معاوية رضي الله عنه ثم عمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك وأبو جعفر المنصور ثم غيرهم بدرجة أقل وعلى تفاوت ولكن بعض خلفاء بني أمية المتأخرين.
ثم المهدي وابنه هارون وابنه مأمون والأمين لم يراعوا تلك الضوابط إلى حدٍّ ما والله أعلم والحق أحق أن يقال.

<<  <  ج: ص:  >  >>