أرجوزتي، فقال: سلام عليكم - بكلام جَهْوريّ ولسان بسيط - فقلت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قال: قف إن شئت، فوقفت فتضوّعت منه رائحة العَنْبر والمسك الأذفر، فقال: ما أوّلك؟ قلت: رجل من مُضَر، قال: ونحن من مُضَر، ثم قال: ثمّ ماذا؟ قلت: رجلٌ من بني تميم، قال: وما بعد تميم؟ قلت: من بني سعد، قال: هيهِ، فما أقدمك هذا البلد؟ قال: قلت: قصدتُ هذا الملك الذي ما سمعت بمثله أندى رائحةً، ولا أوسعَ راحة، ولا أطولَ باعًا، ولا أمدّ يفاعًا منه. قال: فما الذي قصدتَهُ به؟ قلت: شعر طيب يلذّ على الأفواه، وتقتفيه الرّواة، ويحلو في آذان المستمعين، قال: فأنشدْنيه، فغضبتُ وقلت: يا ركيك، أخبرتُك أني قصدتُ الخليفة بشعر قلتُه، ومديح حَبّرتُه، تقول: أنشدْنيه! قال: فتغافل والله عنها، وتطامن لها، وألغى عن جوابها، قال: وما الذي تأمل منه؟ قلت: إن كان على ما ذُكر لي عنه فألف دينار، قال: فأنا أعطيك ألفَ دينار إن رأيتُ الشعرَ جيّدًا والكلام عذبًا وأضع عنك العناء، وطول التَّرداد؛ ومنى تصلُ إلى الخليفة وبينك وبينه عشرة آلاف رامحٍ ونابل! قلت: فلي الله عليك أن تفعَل! قال: نعم لك الله عليّ أن أفعل، قلت: ومعك الساعة مال؟ قال: هذا بغلي وهو خيرٌ من ألف دينار، أنزل لك عن ظهره، قال: فغضبتُ أيضًا وعارضني نَزَق سعْد وخفّة أحلامها، فقلت: ما يساوي هذا البغل هذا النجيب! قال: فدعْ عنك البغل، ولك الله عليّ أن أعطيَك الساعة ألف في ينار، قال: فأنشدته:
مأْمونُ يا ذا المِننِ الشرِيفَةْ ... وصاحبَ المرتبةِ المُنيفَةْ
وقائدَ الكتيبةِ الكثِيْفَةْ ... هل لك في أَرجوزةٍ ظريفةْ
أَظرَفَ مِن فقهِ أَبي حنيفةْ ... لا والذي أَنت له خليفةْ
ما ظُلِمَتْ في أَرضنا ضعيفةْ ... أَميرُنا مُؤْنَتُهُ خَفيفةْ
وما اجتبى شيئًا سوى الوظيفةْ ... فالذئبُ والنَّعجةُ في سَقيفةْ
*واللصّ والتاجرُ في قَطيفَةْ*
قال: فولله ما عدا أن أنشدته، فإذا زُهاء عشرة ألاف فارس قد سدوا الأفق، يقولون: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته! قال: فأخذني أفكلٌ، ونظر إليّ بتلك الحال، فقال: لا بأس عليك أي أخي، قلت: يا أميرَ المؤمنين،