ولعشر خلون من رجب وفد على السلطان ثلاثة أنفس وجّههم وصيف خادم ابن أبي الساج إلى المعتضد، يسأله أن يوَلِّيَه الثغور. ويوجّه إليه الخلع، فذكر أنّ المعتضد أمر بتقرير الرُّسل بالسبب الذي من أجله فارق وصيف صاحبَه ابن أبي الساج، وقصد الثغور، فقُرِّروا بالضرب، فذكروا أنَّه فارقه على مواطأة بينه وبين صاحبه على أنَّه متى صار إلى الموضع الذي هو به متى لحق به صاحبه، فصارا جميعًا إلى مُضَر وتغليا عليها، وشاع ذلك في الناس وتحدّثوا به.
ولإحدى عشرة خلتْ من رَجب من هذه السنة وُلِّي حامد بن العباس الخراج والضّياع بفارس؛ وكانت في يد عمرو بن الليْث الصفار، ودُفعت كتبه بالولاية إلى أخيه أحمد بن العباس، وكان حامد مقيمًا بواسط، لأنه كان يليها وكور دجلة، وكتب إلى عيسى النُّوشريّ وهو بإصبهان بالمصير إلى فارس واليًا على معونتها.
* * *
[خروج العباس بن عمرو الغنويّ من البصرة]
وفي هذه السنة كان خروج العباس بن عمرو الغَنَويّ - فيما ذكر - من البصرة بمن ضُمّ إليه من الجند، مع من خَفّ معه من مطوَّعة البصرة نحو أبي سعيد الجنّابي ومَن انضوى إليه من القَرامطة، فلقيَهم طلائع لأبي سعيد، فخلّف العباس سوادَه، وسار نحوهم، فلقي أبا سعيد ومَنْ معه مساء، فتناوشوا القتال، ثمَّ حجز بينهم الليل، فانصرف كلّ فريق منهما إلى موضعهم. فلمّا كان الليل انصرف مَن كان مع العباس من أعراب بني ضَبّة - وكانوا زهاء ثلاثمئة - إلى البصرة، ثم تبعهم مطّوعّة البصرة؛ فلما أصبح العباس غادى القرامطةَ الحرب، فاقتتلوا قتالًا شديدًا. ثمَّ إنَّ صاحب ميسرة العباس - وهو نجاح غلام أحمد بن عيسى بن شيخ - حمل في جماعة من أصحابه زُهاء مئة رجل على ميمنة أبي سعيد، فوغَلُوا فيهم، فقتِل وجميعُ من معه، وحَمَل الجنّابي وأصحابه على أصحاب العباس، فانهزموا، فاستأسر العباس، وأسر من أصحابه زُهاء سبعمئة رجل، واحتوى الجنّابي على ما كان في عسكر العباس؛ فلما كان من غد يوم