وقالت البطارقة لإليون: إن صرفت عنا مسَلَمة ملّكناك، فوَثَقوا له، فأتَى مَسلَمة فقال: قد عَلِم القومُ أنك لا تَصدقهم القتال، وأنك تُطاولهم ما دام الطعام عندَك، ولو أحرقتَ الطعامَ أعطوْا بأيديهم، فأحَرَقه، فقوي العدوّ، وضاقَ المسلمون حتى كادوا يَهلكون، فكانوا على ذلك حتى مات سليمان، قال: وكان سليمانُ بنُ عبد الملك لما نزل دابق أعطَى الله عَهْدًا ألا ينصرف حتى يدخل الجيش الذي وجهه إلى الروم القسطنطينيّة.
قال: وهَلَك مَلِكُ الرّوم، فأتاه إليون فأخبَرَه، وضَمِن له أن يَدفَع إليه أرضَ الرّوم، فوجه معه مسلمة حتى نزل بها، وجَمع كلّ طعام حولها وحَصَر أهلَها وأتاهم إليون فملّكوه، فكتب إلى مسلَمة يُخبره بالذي كان، ويسأله أن يُدخِل من الطعام مَا يعيش به القوم، ويُصدّقونه بأنّ أمرَهِ وأمرَ مَسلَمة واحد، وأنهم في أمان من السِّباء والخُروج من بلادهم، وأن يأذن لهم ليلَةً في حَمْل الطعام، وقد هيّأ إليون السفُن والرّجال، فأذنِ له، فما بقيَ في تلك الحظائر إلا ما لا يُذكَر؛ حُمل في ليلة، وأصبح إليون محاربًا، وقد خدعه خديعة لو كان امرأةً لعيبَ بها، فلقى الجنْد ما لم يَلْقَ جيشٌ، حتى إن كان الرجُل ليَخافُ أنْ يَخرُج من العَسكَر وحدَه، وأكَلوا الدّوابّ والجُلود وأصولَ الشجر والورَق، وكلّ شيء غير التراب، وسليمان مقيمٌ بدابِق، ونزل الشتاءُ فلم يقدر يُمِدّهم حتى هَلَك سليمان. (٦/ ٥٣٠ - ٥٣١).
مبايعة سليمان لابنه أيوب ولِيًّا للعهد
وفي هذه السنة بَايَع سليمانُ بنُ عبد الملك لابنهِ أيوبَ بن سليمان وجَعلَه وليّ عهدِه، فحدّثني عمرِ بن شبّة، عن عليّ بن محمد، قال: كان عبدُ الملك أخَذ على الوليد وسليمان أن يُبايعا لابن عاتِكة ولمروانَ بن عبد الملك من بعدهِ، قال: فحدّثني طارقُ بنُ المبارك، قال: ماتَ مروانُ بنُ عبدِ الملك في خلافة سليمانَ منصَرفه من مكة، فبايع سليمان حين ماتَ مَروانُ لأيوبَ، وأمسَك عن يزيدَ وتربَّص به، ورَجَا أن يهلك، فهَلَك أيّوب وهو وليّ عهده. (٦/ ٥٣١ - ٥٣٢).
وفي هذه السنة - فيما زعم الواقديّ - غَزا الوليد بنُ هشام وعمرُو بنُ قيس،