وقد قيل: في قتال الحجَّاج شبيبًا بالكُوفة ما ذكره عُمر بن شَبَّة.
قال: حدّثني عبدُ الله بن المغيرة بن عطيَّة قال: حدّثني أبي، قال: حدَّثنا مزاحم بن زُفر بن جسَّاس التَّيميّ، قال: لما فضّ شبيبٌ كتائبَ الحجَّاجِ أذن لنا فدخلنا عليه في مَجلِسه الَّذي يبيت فيه وهو على سرير عليه لِحاف، فقال: إني دعوتُكم لأمر فيه أمان ونظر، فأشيروا عليَّ، إنّ هذا الرجل قد تبَحْبَح بُحْبُوحَتَكم، ودخل حَريمَكم، وقتل مُقاتِلتكم، فأشيروا عليّ؛ فأطرَقوا، وفَصَل رجل من الصّفّ بكرسيَه فقال: إنْ أذن لي الأميرُ تكلَّمت، فقال: تكلم، فقال: إنّ الأمير والله ما راقبَ اللهَ، ولا حَفِظ أميرَ المؤمنين، ولا نَصَح للرعيَّة، ثمّ جلس بكرسيه في الصفّ.
قال: وإذا هو قُتَيبة. قال: فَغضِب الحجَّاج وألقَى اللحاف. ودَلَّى قَدَميه من السرير كأني أنظر إليهما؛ فقال: من المتكلِّم؟ قال: فخرج قُتيبةُ بكُرسيِّه من الصّفّ فأعاد الكلام، قال: فما الرأي؟ قال: أن تَخرُج إليه فتحاكِمَه؛ قال: فارتد لي مُعسكرًا ثم اغدُ إليّ، فقال: فخرجْنا نَلعَن عَنْبسة بنَ سعيد، وكان كلَّم الحجَّاج في قُتيبة، فجعله من أصحابه، فلمَّا أصبَحْنا وقد أوصَينَا جميعًا. غَدونا في السلاح، فصلَّى الحجَّاج الصّبح ثم دخل، فجعل رسوله يخرج ساعةً بعد ساعة فيقول: أجاء بعدُ؟ أجاء بعدُ؟ ولا ندري مَن يريد! وقد أفعمت المقصورةُ بالناس، فخَرَج الرسولُ فقال: أجاء بعدُ؟ وإذا قُتيبةُ يمشي في المسجد عليه قباء هرويّ أصفر، وعمامة خزّ أحمر، متقلِّدًا سيفًا عريضًا قصيرَ الحمائل كأنَّه في إبطِه، قد أدخل بِرْكة قَبائه في مِنطَقتِه، والدّرع يصفق ساقَيه فَفُتح له الباب فدخل ولم يُحْجَب، فَلَبِث طويلًا ثمّ خرج، وأخرج معه لِواءً منشورًا، فصلَّى الحجَّاج ركعتين، ثم قام فتكلَّم، وأخرج اللواء من باب الفيل، وخرج الحجَّاج يتبعه، فإذا بالباب بغلة شَقراء غرّاءُ محجَّلة فركِبها وعارضه الوُصَفاء بالدّوابّ، فأبَى غيرَها، وركب النَّاسُ.
(١) روايات الطبري التي صورت لنا جانبًا من المعارك التي دارت بين الحجاج وقواده من جهة والقائد الخارجي شبيبًا من جهة أخرى.