أما الكلاعي الذي عاش في نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع الهجري وهو محدث ومؤرخ معتمد فقد قال: والأخبار في شأن هذين المصرين (يعني البصرة والكوفة) بوهم ظاهرها الاختلاف المتباين في وقت عمارة المسلمين لها فأكثرها على أن ذلك كان بعد المدائن وبعد جلولاء، ثم ذكر الكلاعي الرأي الآخر المخالف لهذا الرأي والذي ذكره الطبري عن خالد بن عمير العدوي وعقب قائلًا: ولعلّ نزول المسلمين بهذين الموضعين كان متقدمًا على تمصيرهما وبنيانهما بزمان، ومع ذلك فلا يرتفع الخلاف في ذلك بين الأخبار كل الارتفاع، والله تعالى أعلم. (الاكتفاء ٤/ ٣٠٧). قلنا: وما دام الحديث عن بناء البصرة وتمصيرها فمن الجدير بالذكر هنا أن نشير إلى معجزة من معجزات الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فقد أخبر عن بناء هذه المدينة وسمّاها باسمها قبل فتحها بسنين طويلة ولم تكن يومها معروفة بالبصرة وإنما كان ثغرها (ميناؤها) يسمّى بالأبلة. فقد أخرج أبو داود في سننه (٤ / كتاب الملاحم / باب في ذكر البصرة / ح ٤٣٠٦) عن مسلم بن أبي بكرة قال: سمعت أبي يقول: ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له: دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين. وحسنه الألباني، وكذلك أخرج أبو داود في الباب نفسه (ح ٤٣٠٧) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أنس إن الناس يمصرون أمصارًا وإن مصرًا منها يقال له: البصرة أو البصيرة. وصححه الألباني.