١٠٨٣ - قال أبو مخنف: حدّثني عبد الملك بن أبي حرّة الحنفيّ: أنّ عليًّا قال: هذا يومٌ نُصِرتم فيه بالحميّة، وجاء الناس حتى أتوا عسكرهم، فمكث عليٌّ يومين لا يُرسل إلى معاوية أحدًا، ولا يرسل إليه معاوية، ثم إن عليًّا دعا بشير بن عمرو بنِ محْصَن الأنصاريّ، وسعيد بن قيس الهمدانيّ، وشَبَث بن ربعيّ التميميّ، فقال: ائتوا هذا الرّجل فادعوه إلى الله، وإلى الطاعة، والجماعة، فقال له شَبَث بن ربعيّ: يا أمير المؤمنين! ألا تُطمِعه في سلطان تولّيه إياه، ومنزلة يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك؟ فقال عليّ: ائتوه فالقوه واحتجُّوا عليه، وانظروا ما رأيُه -وهذا في أول ذي الحجّة- فأتَوْه، ودخلوا عليه، فحمِد الله وأثنى عليه أبو عُمرة بشير بن عمرو، وقال: يا معاوية! إنّ الدنيا عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، وإن الله عزّ وجلّ محاسبك بعملك، وجازيك بما قدّمتْ يداك، وإني أنشدُك الله عزّ وجلّ أن تفرّق جماعةَ هذه الأمة، وأن تَسفِك دماءها بينها! فقطع عليه الكلام، وقال: هلّا أوصيت بذلك صاحبَك؟ فقال أبو عَمرة: إنّ صاحبي ليس مثلك، صاحبي أحقّ البريّة كلّها بهذا الأمر في الفضل، والدّين، والسابقة في الإسلام، والقرابةِ من الرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال: فيقول ماذا؟ قال: يأمرك بتقوى الله عزّ وجلّ، وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحقّ، فإنّه أسلم لك في دنياك، وخيرٌ لك في عاقبة أمرك. قال معاوية: ونُطلّ دمَ عثمان رضي الله عنه! لا والله لا أفعل ذلك أبدًا، فذهب سعيد بن قيس يتكلّم، فبادره شَبث بن رِبْعيّ، فتكلّم فحمِد الله وأثنىَ عليه، وقال: يا معاوية! إني قد فهمت ما رددت على ابنِ محصَن، إنه والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب؛ إنك لم تجد شيئًا تَستغوِي به الناسَ، وتستميل به أهواءهم، وتستخلص به طاعتهم، إلّا قولك:"قتل إمامكم مظلومًا، فنحن نطلب بدمه"، فاستجاب له سفهاء طغام، وقد علمْنا أن قد أبطأتَ عنه بالنصر، وأحببتَ له القتل، لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب، ورُبّ متمنِّي أمر وطالبِه اللهُ عزّ وجلّ يحول دونَه بقدرته، وربما أوتي المتمنّي أمنيّتَه وفوق أمنيّته، ووالله مَا لَك في واحدةٍ منهما خير، لئن أخطأتَ ما ترجو إنك لشرّ العرب حالًا في ذلك، ولئن