للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أي لا يسوءنك ما جرى، فإن النصر قريب، والنبأ عجب عجيب. {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}.
وذلك أن نوحًا - عليه السلام - لما يئسَ من صلاحهم وفلاحهم، ورأى أنه لا خير فيهم وتوصلوا إلى أذيَّته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق، من فعال ومقال، دعا عليهم دعوة غضب الله عليهم فلبى الله دعوته وأجاب طلبته، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّينَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}، وقال تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّينَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}، وقال تعالى: {قَال رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَينِي وَبَينَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} وقال تعالى: {قَال رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ}، وقال تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (٢٥) وَقَال نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إلا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: ٢٥ - ٢٧].

[صنع السفينة]:
فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم عليهم. فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك، وهي السفينة العظيمة.
وقدم الله تعالى إليه أن إذا جاء أمره، وَحَلَّ بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، أنه لا يعاوده فيهم ولا يراجعه، فإنه لعله قد يدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم، فإنه ليس الخبر كالمعاينة؛ ولهذا قال: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}.
{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} أي: يستهزئون منه إستبعادًا لوقوع ما توعدهم به {قَال إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} أي: نحن الذين نسخر منكم ونتعجب منكم في استمراركم على كفركم وعنادكم الذي يقتضي وقوع العذاب بكم وحلوله عليكم. {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٣٩)}.
وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا، وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضًا أن يكون قد جاءهم رسول، كما قال البخاري: (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يجيء نوح - عليه السلام - وأمته، فيقول الله عزَّ وجلَّ: هل بلّغْتَ؟ فيقول: أي رب، فيقول لأمته: هل بلَّغَكُم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فنشهد أنه قد بلَّغَ"، وهو قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُمْ شَهِيدًا} (وانظر صحيح البخاري كتاب الأنبياء / ح ٣٣٣٩).
والوسط: العدل. فهذه الأمة تشهد على شهادة نبيها الصادق والمصدوق، بأن الله قد بعث نوحًا بالحق، وأنزل عليه الحق، وأمره به، وأنه بلغه إلى أمته على أكمل الوجوه وأتمها، =

<<  <  ج: ص:  >  >>