على قِنَّسرين والجزيرة، وإلى إسحاق بن إبراهيم بمن فرض على أهل بغداد وهم ألفا رجل، وخرج بعضهم حتى وافَى طُوانة ونزلها مع العباس.
ذكر خبر المحنة بالقرآن (١)
وفي هذه السنة كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم في امتحان القضاة والمحدّثين، وأمر بإشخاص جماعة منهم إليه إلى الرّقّة؛ وكان ذلك أوّل كتاب كتب في ذلك، ونسخة كتابه إليه:
أما بعد؛ فإن حقّ الله على أئمة المسلمين وخلفائهم الاجتهادُ في إقامة دين الله الذي استحفظهم، ومواريث النبوّة التي أورثهم، وأثْرِ العلم الذي استودعهم، والعملُ بالحقّ في رعيّتهم والتشمير لطاعة الله فيهم، واللهَ يسألَ أميرَ المؤمنين أن يوفقه لعزيمة الرّشد وصريمته والإقساط فيما ولّاه الله من رعيّته برحمته ومنّته. وقد عرف أمير المؤمنين أنّ الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حَشْو الرعية وسفْلة العامة ممن لا نظَر له ولا رويّة ولا استدلال له بدلالة الله وهدايته والاستضاءة بنور العلم وبرهانه في جميع الأقطار والآفاق أهلُ جهالة بالله، وعمّي عنه، وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده والإيمان به. ونكوبٍ عن واضحات أعلامه وواجب سبيله، وقصورٍ أن يقدروا الله حقّ قدره، ويعرفوه كنهَ معرفته، ويفرّقوا بينه وبين خلقه، لضعف آرائهم ونقص عقولهم وجفائهم عن التفكّر والتذكر؛ وذلك أنهم ساووا بين الله تبارك وتعالى وبين ما أنزل من القرآن، فأطبقوا مجتمعين، واتّفقوا غير متعاجمين، على أنه قديم أوّل لم يخلقه الله ويُحْدِثه ويخترعه، وقد قال الله عز وجل في محكم كتابه الذي جعله لما في الصدور شفاءً، وللمؤمنين رحمةً وهدىً:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}، فكلُّ ما جعله الله فقد خلقه، وقال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}، وقال عزّ وجل:{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ}، فأخبر أنه
(١) خبر محنة الأئمة بالقرآن زمن المأمون معروف - ولكن هذه الرسائل المتبادلة بين المأمون ونائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم - انفرد بذكرها الطبري من بين المؤرخين المتقدمين الثقات وذكرها بلا إسناد فكيف لنا أن نتأكد من صحتها وفي نسبتها إلى المأمون شك والله أعلم.