قصص لأمور أحدثه بعدها وتلا به متقدّمها، وقال:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}، وكل محكَمٍ مفصَّل فله محكِم مفصِّل، والله محكم كتابه ومفصله، فهو خالقه ومبدعه.
ثم هم الذين جادلوا بالباطل فدعوا إلى قولهم، ونسبوا أنفسهم إلى السنة، وفي كلّ فصل من كتاب الله قصَص من تلاوته مبطل قولهم، ومكذّب دعواهم، يرد عليهم قولهم ونِحْلتهم. ثم أظهروا مع ذلك أنهم أهل الحقّ والدين والجماعة، وأن مَنْ سواهم أهل الباطل والكفر والفُرْقة، فاستطالوا بذلك على النّاس، وغرّوا به الجهّال حتى مال قوم من أهل السَّمْت الكاذب، والتخشع لغير الله، والتقشّف لغير الدين إلى موافقتهم عليه، ومواطأتهم على سيء آرائهم، تزيّنًا بذلك عندهم وتصنّعًا للرياسة والعَدالة فيهم فتركوا الحق إلى باطلهم، واتّخذُوا دون الله وليجة إلى ضلالتهم، فقبِلت بتزكيتهم لهم شهادتهم، ونفذت أحكام الكتاب بهم على دَغَل دينهم، ونَغَل أديمهم، وفساد نيّاتهم ويقينهم. وكان ذلك غايتهم التي إليها أجروْا، وإياها طلبوا في متابعتهم والكذب على مولاهم، وقد أخِذ عليهم ميثاق الكتاب ألّا يقولوا على الله إلا الحقّ، ودَرَسوا ما فيه، أولئك الذين أصمّهُمُ الله وأعمى أبصارهم، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
فرأى أمير المؤمنين أنَّ أولئك شرُّ الأمة ورؤوس الضّلالة، المنقوصون من التوحيد حظًّا، والمخسوسون من الإيمان نصيبًا، وأوعية الجهالة وأعلام الكذب ولسان إبليس الناطق في أوليائه، والهائل على أعدائه؛ من أهل دين الله، وأحقّ من يُتّهم في صدقه، وتطرح شهادته، لا يوثَق بقوله ولا عمله؛ فإنه لا عمل إلا بعد يقين، ولا يقينَ إلّا بعد استكمال حقيقة الإسلام، وإخلاص التوحيد، ومن عَميَ عن رُشْده وحظّه من الإيمان بالله وبتوحيده؛ كان عمّا سوى ذلك من عمله والقصد في شهادته أعمَى وأضلّ سبيلا. ولعمرُ أمير المؤمنين إنَّ أحجى الناس بالكذب في قوله، وتخرّص الباطل في شهادته، من كذب على الله ووحيه، ولم يعرف الله حقيقة معرفته، وإنّ أولاهم بردّ شهادته في حكم الله ودينه من ردّ شهادة الله على كتابه، وبَهت حق الله بباطله.
فاجمعْ من بحضرتك من القُضاة، واقرأ عليهم كتابَ أمير المؤمنين هذا