للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليك، فابدأ بامتحانهم فيما يقولون وتكشيفهم عما يعتقدون، في خلق الله القرآن وإحداثه، وأعلمهم أنّ أمير المؤمنين غير مستعين في عمله، ولا واثق فيما قلده الله، واستحفظه من أمور رعيّته بمن لا يوثَق بدينه وخلوص توحيده ويقينه؛ فإذا أقرّوا بذلك ووافقوا أمير المؤمنين فيه، وكانوا على سبيل الهدى والنجاة. فمرهم بنصّ من يحضُرهم من الشهود على الناس ومسألتهم من علمهم في القرآن، وترك إثبات شهادة من لم يقرّ أنه مخلوق محدَث ولم يره، والامتناع من توقيعها عنده، واكتب إلى أمير المؤمنين بما يأتيك من قضاة أهل عملك في مسألتهم؛ والأمر لهم بمثل ذلك، ثم أشرف عليهم وتَفَقَّد آثارهم حتى لا تنفذ أحكام الله إلا بشهادة أهل البصائر في الدّين والإخلاص للتوحيد، واكتب إلى أمير المؤمنين بما يكون في ذلك. إن شاء الله.

وكتب في شهر ربيع الأول سنة ثمان عشرة ومائتين.

وكتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم في إشخاص سبعة نفر، منهم محمد بن سعد كاتب الواقديّ، وأبو مسلم مستملى يزيد بن هارون، ويحيى بن معين، وزهير بن حرب أبو خيثمة، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن الدّوْرقيّ؛ فأشخِصوا إليه، فامتحنهم وسألهم عن خلْق القرآن، فأجابوا جميعًا إن القرآن مخلوق، فأشخصهم إلى مدينة السلام وأحضرهم إسحاق بن إبراهيم دارَه، فشهر أمرهم وقولهم بحضْرة الفقهاء والمشايخ من أهل الحديث، فأقرُّوا بمثل ما أجابوا به المأمون، فخلَّى سبيلهم. وكان ما فعل من ذلك إسحاق بن إبراهيم بأمر المأمون (١).

وكتب المأمون بعد ذلك إلى إسحاق بن إبراهيم (٢):

أما بعدُ؛ فإنّ من حق الله على خلفائه في أرضه، وأمنائه على عباده، الذين ارتضاهم لإقامة دينه، وحمّلهم رعايةَ خلْقه وإمضاء حكمه وسُنَنه والائتمام بعدله


(١) هؤلاء من أئمة أهل السنة والجماعة ولم يكونوا من المعتزلة وإن كان صحيحًا أنهم أجابوا بحضرة الخليفة أن القرآن مخلوق فقد قالوها كرهًا وخوفًا على أنفسهم لا إيمانًا بها وتراجمهم تشهد لهم بذلك وانظر تعليقنا فيما بعد.
(٢) هذا الخبر الطويل (٢٧٧ - ٢٨٦) خبر خير صحيح في أغلب تفاصيله وانظر تعليقنا في نهاية الرواية ومتعلقاتها (ص ٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>