للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في بريته، أن يُجهدوا لله أنفسهم، وينصحوا له فيما استحفظهم وقلدهم، ويدلوا عليه - تبارك اسمه وتعالى - بفضل العلم الذي أودعهم، والمعرفة التي جعلها فيهم، ويهدوا إليه من زاغ عنه، ويرذوا مَنْ أدبر عن أمره، وينهجوا لرعاياهم سَمْت نجاتهم، ويقِفوهم على حدود إيمانهم وسبيل فوزهم وعصمتهم ويكشفوا لهم مغطّيات أمورهم ومشتبهاتها عليهم، بما يدفعون الرِّيب عنهم، ويعود بالضياء والبيِّنة على كافّتهم، وأن يؤثِرُوا ذلك من إرشادهم وتبصيرهم، إذْ كان جامعًا لفنون مصانعهم، ومنتظمًا لحظوظ عاجلتهم وآجلتهم، ويتذكَّروا ما الله مُرصدٌ من مساءلتهم عمّا حُمِّلوه، ومجازاتهم بما أسلفوه وقدموا عنده، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله وحدَه، وحسبه الله وكفى به. ومما بيّنه أمير المؤمنين برويّته، وطالعه بفكره، فتبيّن عظيم خطره، وجليل ما يرجع في الدين من وكْفه وضرره، ما ينال المسلمون بينهم من القول في القرآن الذي جعله الله إمامًا لهم، وأثرًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفيّه محمد - صلى الله عليه وسلم - باقيًا لهم، واشتباهه على كثير منهم؛ حتى حسن عندهم، وتزيّن في عقولهم ألا يكون مخلوقًا، فتعرّضوا بذلك لدفع خلق الله الذي بأن به عن خلقه، وتفرّد بجلالته؛ من ابتداع الأشياء كلها بحكمته وإنشائها بقدرته، والتقدّم عليها بأوليّته التي لا يُبلغ أولاها، ولا يدرك مداها؛ وكان كل شيء دونه خَلْقًا من خلقه، وحدَثًا هو المحدِث له؛ وإن كان القرآن ناطقًا به ودالًّا عليه، وقاطعًا للاختلاف فيه، وضاهَوْا به قول النصارى في دعائهم في عيسى بن مريم: إنه ليس بمخلوق؛ إذ كان كلمة الله، والله عزَّ وجلَّ يقول: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}، وتأويل ذلك أنا خلقناه كما قال جلّ جلاله: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}، وقال: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، فسوّى عزّ وجل بين القرآن وبين هذه الخلائق التي ذكرها في شية الصنعة، وأخبر أنه جاعله وحده، فقال: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}، فدل ذلك على إحاطة اللوح بالقرآن، ولا يحاط إلا بمخلوق، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، وقال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}، وقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ}، وأَخبر عن قوم ذمَّهم بكذبهم أَنهم قالوا: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}، ثم أَكذبهم على لسان رسوله فقال لرسوله: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى}، فسمّى الله تعالى القرآن قرآنًا وذكرًا وإيمانًا ونورًا وهدىً ومباركًا وعربيًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>