وقد عظّم هؤلاء الجهلة بقولهم في القرآن الثّلْمَ في دينهم، والحرجَ في أمانتهم، وسهلوا السبيل لعدوّ الإسلام، واعترفوا بالتبديل والإلحاد على قلوبهم حتى عرّفوا ووصفوا خَلْق الله وفعله بالصّفة التي هي لله وحده، وشبّهوه به، والاشتباهُ أولى بخلقه. وليس يرى أميرُ المؤمنين لمن قال بهذه المقالة حظًّا في الدّين، ولا نصيبًا من الإيمان واليقين، ولا يرى أن يحلّ أحدًا منهم محلّ الثقة في أمانة، ولا عدالة ولا شهادة، ولا صدق في قول ولا حكاية، ولا تولية لشيء من أمر الرّعيّة، وإن ظهر قصْد بعضهم، وعُرف بالسداد مسدّدٌ فيهم؛ فإن الفروع مردودة إلى أصولها، ومحمولة في الحمْد والذّم عليها؛ ومن كان جاهلًا بأمر دينه الذي أمره الله به من وحدانيته فهو بما سوّاه أعظم جهلا، وعن الرّشد في غيره أعمى وأضلّ سبيلا.
فاقرأ على جعفر بن عيسى وعبد الرحمن بن إسحاق القاضي كتاب أمير المؤمنين بما كتب به إليك، وانصصها عن علمهما في القرآن، وأعلمهما أن أمير المؤمنين لا يستعين على شيء من أمور المسلمين إلّا بمن وثق بإخلاصه وتوحيده، وأنه لا توحيد لمن لم يقرّ بأن القرآن مخلوق فإن قالا بقول أمير المؤمنين في ذلك، فتقدّمْ إليهما في امتحان مَنْ يحضر مجالسهما بالشّهادات على الحقوق، ونصّهم عن قولهم في القرآن، فمن لم يقلْ منهم إنه مخلوق أبطلا شهادته، ولم يقطعا حكمًا بقوله؛ وإن ثبت عفافُه بالقصد والسّداد في أمره. وافعل ذلك بمن في سائر عملك من القضاة، وأشرِف عليهم إشرافًا يزيد الله به ذا البصيرة في بصيرته، ويمنع المرتاب من إغفال دينه، واكتب إلى أمير المؤمنين بما يكون منك في ذلك. إن شاء الله.
قال: فأحضر إسحاقُ بن إبراهيم لذلك جماعة من الفقهاء والحكام والمحدّثين، وأحضر أبا حسان الزياديّ وبشر بن الوليد الكنديّ وعليّ بن أبي مقاتل والفضل بن غانم والذيّال بن الهيثم وسجّادة والقواريريّ وأحمد بن