فأصيبَ ناسٌ من أهل إنطَاكية، وأصابَ الوليدُ أناسًا من ضَواحي الرّوم وأسَر منهم بَشَرًا كَثيرًا. (٦/ ٥٣٢).
[غزو جرجان وطبرستان]
فذكر هشامَ بن محمد عن أبي مخنَف، أنّ يزيد بن المهلب لما قدم خُراسان أقام ثلاثة أشهر أو أربعةً، ثم أقْبَل إلى دِهِسْتانَ وجُرْجانَ وبعث ابنه مخلَدًا على خُراسان، وجاء حتى نزل بدهستان، وكان أهلُها طائفةً من الترك فأقام عليها، وحاصَر أهلَها، معه أهلُ الكوفة وأهلُ البَصْرة وأهلُ الشام ووجوه أهل خُراسان والرّي، وهو في مئة ألف مُقاتل سوى المَوالِي والمَماليك والمتطوّعين، فكانوا يَخرُجون فيُقاتِلون الناسَ، فلا يُلبثهم الناسُ أن يَهزِموهم فَيدخلُون حصنَهم، ثمّ يخرجون أحيانًا فيُقاتِلون فيشتدّ قِتالهم.
وكان جَهْم وجمال ابنا زَحْر من يزيد بمكان، وكان يُكرمهما، وكان محمد بن عبد الرحمن بن أبي سَبْرة الجُعْفيّ له لسان وبأس، غير أنه كان يُفسِد نفسَه بالشراب، وكان لا يُكثر غِشْيان يزيد وأهل بيته، وكأنه أيضًا حَجَزه عن ذلك ما رَأى من حُسْن أثَرهم على ابني زَحْر جَهْم وجمال، وكان إذا نادى المنادي: يا خيلَ الله ارْكبي وأبشِري كان أول فارس من أهل العسكر يبادر إلى موقِف البَأس عند الرّوع محمد بن عبد الرحمن بن أبي سَبْرة، فنُودِيَ ذات يوم في الناسِ، فبدر الناس ابنُ أبي سَبْرة، فإنه لواقفٌ على تَلّ إذ مرّ به عثمانُ بنُ المفضّل، فقال له: يا بن أبي سَبْرة، ما قدرتُ علي أن أسبقَك إلى الموقِف قَطّ، فقال: وما يُغِني ذلك عني، وأنتم تُرشّحون غِلمان مِذحجِ، وتَجهلون حقّ ذوي الأسنان والتجارب والبَلاء! فقال: أما إنك لو تريد ما قبلنا لم نَعدل عنك ما أنتَ له أهل.
قال: وخرج الناسُ فاقتتَلوا قتالًا شديدًا، فحمل محمد بن أبي سَبْرة على تركيّ قد صدّ الناسَ عنه، فاختَلَفا ضربتَين، فثبتَ سيفُ التركي في بَيضة ابن أبي سبرة، وضَرَبَه ابنُ أبي سَبْرة فقتَله، ثمّ أقبل وسيفُه في يَدِه يقطرُ دَمًا، وسيفُ التركيّ في بَيضَته، فنظر الناسُ إلى أحسَن منظرَ رأوه من فارس، ونظر يزيد إلى ائتلاق السَّيْفين والبَيضة والسلاح فقال: مَن هذا؟ فقالوا: ابنُ أبي سَبْرة، فقال: لله أبوه! أيّ رجل هو لولا إسرافُه على نفسه!