فلمَّا رأى أهل البصرة أهلَ الكوفة لم ينهزموا؛ تذمَّمُوا ورجعوا وقاتلوا وما عليهم أمير حتى مَرّوا بعمر بن موسى بنُ عبيد الله جريحًا فحملوه حتَّى أدخلوه عسكرَ الخوارج وفيه تبْن كثير فأحرقوه، ومالت عليهم الرّيح، وحمل أهلُ الكوفة وأهلُ البصرة حتَّى استباحوا عسكرَهم وقتلوا أبا فُدَيك، وحصَروهم في المُشَقَّر، فنزلوا على الحكم، فقتَل عمر بن عُبيد الله منهم - فيما ذُكِر - نحوًا من ستَّةِ آلاف، وأسَر ثمانمئة، وأصابوا جارية أميّة بن عبد الله حُبْلَى من أبي فدَيك، وانصَرفَوا إلى البَصْرة. (٦/ ١٩٣)(١).
[ثم دخلت سنة أربع وسبعين ذكر ما كان فيها من الأحداث الجليلة]
واستخفّ فيها بأصحاب رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، فختَم في أعناقهم؛ فَذكَر محمَّد بن عمرانَ بن أبي ذئب، حدّثه عمَّن رأى جابر بنَ عبد الله مختومًا في يده.
وعن ابن أبي ذئب، عن إسحاق بن يزيد: أنه رأى أنس بن مالك مختومًا في عنقه، يريد أن يُذلَّه بذلك.
قال ابن عمر: وحدّثني شُرَحبيل بن أبي عون، عن أبيه، قال: رأيتُ الحجَّاح أرسل إلى سهل بن سعد فدعاه، فقال: ما منعك أن تنصُر أميرَ المؤمنين عثمانَ بنَ عفَّان! قال: قد فعلتُ، قال: كذبتَ، ثمّ أمَر به فختم في عنقِه برَصاص.
(١) ذكرنا قسم الصحيح عند مقتل أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله عنه سنة ٧٣ هـ[٤/ ١٣] أن الآثار التي وردت في اتهام الصحابة لابن الزبير بالبخل لا تصح وذكرنا في حينها روايتين في إسناد الأولى مجهول (وهو عبد الله بن مساور) إذ يقول: سمعت عبد الله ابن عباس يعاتب ابن الزبير ويقول: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: المؤمن لا يشبع وجاره وابن عمه جائع. والثانية عن طريق ليث بن أبي سليم قال: (كان ابن عباس يكثر أن يعنف ابن الزبير بالخجل) وليث هذا ضعفه جمهور أئمة الحديث لأنه اختلط اختلاطًا شديدًا حتى تركه علماء الحديث ... هذا مختصر ما ذكرناه في قسم الصحيح ونزيد هنا فنقول أما الجزء المرفوع من الرواية (لا يشبع المؤمن وجاره جائع) فقد صح من طريق آخر وأما الجزء الموقوف - أي قول الصحابي - (وهو اتهام ابن الزبير بالبخل) فلا يصح وسها من قال بأن العلامة الألباني صحح الرواية وإنما صحح الألباني الجزء المرفوع فقط عند تخرجه لروايات الأدب المفرد للإمام البخاري والله أعلم.