للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجع العذاب قالت: ادعُ ربك يا جرجيس يخفِّفْ عني، فإني قد ألمت [من] العذاب فقال: انظري فوقك. فلما نظرت ضحكت. فقال لها: ما الذي يضحكك؟ قالت: أرى ملَكين فوقي، معهما تاج من حَلي الجنّة ينتظران به روحي أن تخرج، فإذا خرجت زيّناها بذلك التاج، ثم صعدا بها إلى الجنة، فلما قَبضَ الله روحها؛ أقبل جرجيس على الدعاء؛ فقال: اللهمّ أنت الذي أكرمتني بهذا البلاء، لتعطيَني به فضائل الشهداء! اللهمّ فهذا آخرُ أيامي الذي وعدتني فيه الراحة من بلاء الدنيا، اللهمّ فإني أسألك ألَّا تقبض روحي، ولا أزولَ من مكاني هذا حتى تنزل بهذا القوم المتكبّرين من سطواتك ونقمتك ما لا قبَل لهم به، وما تشفى به صدري، وتقرّ به عيني؛ فإنهم ظلموني وعذبوني. اللهمّ وأسألك ألّا يدعو بعدي داعٍ في بلاء ولا كرب فيذكرني، ويسألك باسمي إلا فرّجت عنه ورحمته وأجبته، وشفعتني فيه.

فلمّا فرَغ من هذا الدّعاء، أمطر الله عليهم النار، فلما احترقوا؛ عمَدوا إليه فضربوه بالسيوف غيظًا من شدّة الحريق، ليعطيَه الله تعالى بالقتلة الرابعة ما وعده. فلما احترقت المدينة بجميع ما فيها، وصارت رمادًا، حملها الله من وجه الأرض حتى أقلّها، ثم جعل عاليَها سافلها، فلبثت زمانًا من الدهر يخرج من تحتها دخان منتن، لا يشمّه أحد إلا سقم سقمًا شديدًا، إلّا أنها أسقام مختلفة، لا يشبه بعضها بعضًا، فكان جميع من آمن بجرجيس، وقتل معه أربعة وثلاثين ألفًا، وامرأة الملك. رحمها الله! (١) (٢: ٢٤/ ٣٦).

ونرجع الآن إلى:

ذكر بقيّة خبر تُبّع أيام قُباذ وزمن أنوشروان وتوجيه الفرس الجيش إلى اليمن لقتال الحبشة وسبب توجيهه إياهم إليها

٨١٦ - حدثنا ابن حُميد، قال: حدَّثنا سلَمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: كان تُبّع الآخر وهو تُبّان أسعد أبو كَرِب حين أقبل من المشرق، جعل طريقه على المدينة، وقد كان حين مرّ بها في بدءته لم يُهِج أهلها، وخلّف


(١) ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>