ثم دخلت سنة خمس وسبعين ذكر الخبر عمَّا كان فيها من الأحداث
[ولاية الحجاج على الكوفة وخطبته في أهلها]
وفيها قَدِم الحجّاج الكوفة، فحدّثني أبو زيد، قال: حدّثني محمد بنُ يحيى أبو غسان، عن عبد الله بن أبي عُبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر، قال: خرج الحجَّاج بن يوسف من المدينة حين أتاه كتاب عبد الملك بن مروانَ بولاية العراق بعد وفاة بشر بن مروان في اثني عشر راكبًا على النّجائب حتى دخل الكوفة حين انتشر النهار فجاءةً، وقد كان بشر بعث المهلب إلى الحروريّة، فبدأ بالمسجد فَدَخله، ثمّ صعِد المنبر وهو متلثّم بعمامة خَزّ حمراء، فقال: عليَّ بالناس، فحسبوه وأصحابَه خارجة، فهَمّوا به، حتى إذا اجتمع إليه الناسُ قام فكشف عن وجهه وقال:
أنا ابنُ جَلَا وطَلَّاع الثَّنَايا ... مَتَى أضَعِ العِمامَة تَعْرفوني
أما والله إنّي لأحمل الشرَّ محملَه، وأحذُوه بنعله، وأجزيه بمثله، وإني لأرى رؤوسًا قد أيْنَعتْ وحانَ قِطافُها، وإني لأنظر إلى الدِّماء بين العمائم واللِّحَى.
قد شمَّرَتْ عن ساقِهَا تَشْميرا
هذا أوان الشَّد فاشتدِّي زِيَمْ ... قد لَفَّها الليلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ
ليس براعِي إبِلٍ ولا غَنَمْ ... ولا بجزَّارٍ على ظهرِ وضَمْ
قد لَفَّها الليْلُ بعصْلَبيِّ ... أَرْوَعَ خَرّاجٍ من الدّوِّيِّ
مُهَاجِرٍ لَيْسَ بأعْرَابيّ
ليس أوان يكْره الخِلاطُ ... جاءَت به والقُلُص الأعلاطُ
تَهوِى هُويَّ سابقِ الَغطاطِ
وإني والله يا أهل العراق ما أغمَز كتَغماز التّين، ولا يقَعْقَعُ لي بالشِّنان، ولقد فُرِرْت عن ذكاء، وجَرَيْت إلى الغاية القصوى، إن أمير المؤمنين، عبدَ الملك نَثَر كنانته ثمّ عَجَم عيدانَها فوجدني أَمَرَّها عُودًا، وأصلبَها مَكسرًا، فوجّهني إليكم؛ فإنكم طالما أوضَعْتم في الفتَن، وسنَنتُم سنن الغيّ، أما والله لألحُوَنكم