للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَحْوَ العود، ولأعصبنكم عَصْب السلَمة، ولأضربنكم ضربَ غرائب الإبلِ، إني والله لا أعِد إلا وَفَيْت ولا أخلُق إلا فَرَيْت، فإيّاي وهذه الجماعات وقيلًا وقال، وما يقول، أو، فيمَ أنتم وذاك؛ واللهِ لتسْتَقيمُنَّ على سُبُلِ الحق أو لأدَعَنّ لكلّ رجل منكم شُغْلًا في جَسَده، من وجدتُ بعد ثالثة مَن بَعْثِ المهلب سَفكْتُ دمَه، وأنهبْتُ مالَه.

ثم دخل منزله ولم يزدْ على ذلك.

قال: ويقال: إنه لما طال سكوتُه تَناوَل محمد بنُ عُمَير حَصىً فأراد أن يَحصِبه بها، وقال: قاتله الله! ما أعيَاه وأدمّه! والله إنّي لأحسَب خبرَه كرُوَائه، فلما تكلم الحجاج جَعل الحَصَى يَنتثر من يدِه ولا يعقل به، وأنّ الحجاج قال في خُطْبته:

شاهت الوجوه! إنّ الله ضَرَبَ {مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}، وأنتم أولئك وأشباه أولئك، فاستوثقوا واستقيموا، فوالله لأذيقنكم الهوان حتَّى تَدِرُّوا، ولأعصبنَّكم عَصب السَّلَمة حتَّى تنقادوا، أقسِم بالله لتقبِلنّ على الإنصاف، ولتَدَعُنّ الإرجاف، وكان وكان، وأخبرني فلان عن فلان، والهبْر وما الهبْر! أو لأهْبُرنكم بالسَّيف هبْرًا يدَع النساءَ أيامَى، والولدان يتامى، وحتَّى تمشوا السُّمَّهَى، وتقلعوا عن هاوهَا، إيَّاي وهذه الزّرافاتِ، لا يركَبَنَّ الرجلُ منكم إلا وحده، ألا إنَّه لو ساغ لأهل المعصية معصيتُهم ما جُبِي فيءٌ ولا قُوتل عدوّ، ولعُطِّلت الثغور، ولولا أنَّهم يُغزَون كَرْهًا ما غزوا طَوْعًا، وقد بَلَغَني رَفْضكم المهلّب، وإقبالُكم على مصركم عُصاةً مخالفين، وإني أقسِم لكم بالله لا أجد أحدًا بعد ثالثة إلَّا ضربتُ عنقَه.

ثمّ دعا العُرَفاءَ فقال: ألحقُوا الناس بالمهَلَّب، وأتُوني بالبراءات بمُوافاتهم ولا تُغلقنّ أبوابَ الجسْر ليلًا ولا نهارًا حتَّى تنقضِيَ هذه المدّة.

تفسير الخُطْبة: قولُه: "أنا ابنُ جَلَا" فابنُ جلا: الصُّبْح لأنَّه يجلو الظُّلمة، والثنايا: ما صَغُر من الجبال ونتَأ. وأينع الثَّمر: بلغ إدْراكه.

وقوله: "فاشتدّي زِيَم" فهي اسمٌ للحَرْب، والحُطَم: الَّذي يَحطم كلَّ شيء يَمُرّ به، والوَضَمُ: ما وُقي به اللّحم من الأرض، والعَصْلَبيّ: الشديد،

<<  <  ج: ص:  >  >>