فلما وثب الفرس تلقاه الأسود، فنكص به، فغاضا معًا، ثم أطلع منصور رأسَه، فنزل إليه غلام من السودان من عُرفاء مصِلح يقال له: أبرون، فاحتزَّ رأسَه وأخذ سَلبه، وقُتل ممن كان معه جماعة كثيرة، وقُتل مع منصور أخوه خَلَف بن جعفر، فولّى يارجوخ ما كان إلى منصور من العمل أصغجون.
* * *
[[ذكر الخبر عن قتل مفلح]]
ولاثنتي عشرة بقيتْ من جُمادى الأولى منها، قُتِل مُفلِح بسهم أصابه بغير نصل في صُدغه يوم الثلاثاء، فأصبح ميتًا يوم الأربعاء في غدِ ذلك اليوم، وحُمِلت جثّته إلى سامُرّا، فدفن بها.
* ذكر الخبر عن سبب مقتله وكيف كان الوصول إليه:
قد مضى ذكري شخوص أبي أحمد بن المتوكل من سامُرّا إلى البصرة لحرب اللعين لمَّا تناهى إليه وإلى المعتمد ما كان من فظيع ما ركب من المسلمين بالبصرة، وما قرب منها من سائر أرض الإسلام، فعاينتُ أنا الجيش الذي شخص فيه أبو أحمد ومفلح ببغداد، وقد اجتازوا بباب الطاق، وأنا يومئذ نازلٌ هنالك، فسمعت جماعةً من مشايخ أهل بغداد يقولون: قد رأينا جيوشًا كثيرة من الخلفاء، فما رأينا مثلَ هذا الجيش أحسن عُدّة، وأكمل سلاحًا وعتادًا، وأكثر عددًا وجمعًا، وأتبع ذلك الجيش من متسوّقة أهل بغداد خلق كثير.
وذكر عن محمد بن الحسن أن يحيى بن محمد البحرانيّ كان مقيمًا بنهر معقِل قبل موافاة أبي أحمد موضعَ الخبيث، فاستأذنه في المصير إلى نهر العباس، فكره ذلك وخاف أن يوافيَه جيشُ السلطان، وأصحابه متفرّقون، فألحّ عليه يحيى حتى أذن له، فخرج واتّبعَه أكثر أهله عسكر الخبيث.
وكان عليّ بن أبان مقيمًا بجُبَّى في جمع كثير من الزَّنج، والبصرة قد صارت مغنمًا لأهل عسكر الخبيث؛ فهم يغادونها ويراوحونها لنقل ما نالته أيديهم منها، فليس بعسكر الخبيث يومئذ من أصحابه إلا القليل؛ فهو على ذلك من حاله حتى وافى أبو أحمد في الجيش الذي كان معه فيه مفلح، فوافى جيشٌ عظيم هائل لم يرد على الخبيث مثله؛ فلمَّا انتهى إلى نهر معقِل هرب مَنْ كان هناك من جيش