للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أبي شيبة، عن يونس بن محمد، عن جرير بن حازم به. [أحمد / ٢٤٨٣٤] وابن ماجه [ح ٣٢٣١].

[مناظرة إبراهيم مع خصمه]:
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَال أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَال إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
ذكر تعالى مناظرة خليله مع هذا الملك الجبار المتمرد الذي ادعى لنفسه الربوبية، فأبطل الخليل عليه دليله، وبيّن كثرة جهله وقلة عقله، وألجمه الحجة، وأوضح له طريق المحجة.
قال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار: وهذا الملك هو ملك بابل، واسمه النمرود. ملك الدنيا فيما ذكروا أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: ذو القرنين، وسليمان. والكافران: النمرود، وبختنصر.
ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، حمله الجهل والضلال وطول الآمال على إنكار الصانع، فحاج إبراهيم الخليل في ذلك، وادعى لنفسه الربوبية، فلما قال الخليل: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَال أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}. قال قتادة والسدي ومحمد بن إسحاق: يعني أنه إذا أوتي بالرجلين قد تحتم قتلهما، فإذا أمر بقتل أحدهما وعفا عن الآخر فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر.
وهذا ليس بمعارضة للخليل، بل هو كلام خارج عن مقام المناظرة، ليس بمنع ولا بمعارضة، بل هو تشغيب محض، وهو انقطاع في الحقيقة، فإن الخليل استدل على وجود الصانع بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيوانات وموتها، على وجود فاعل ذلك الذي لا بد من استنادها إلى وجوده: ضرورة عدم قيامها بنفسها، ولا بد من فاعل لهذه الحوادث المشاهدة، من خلقها وتسخيرها، وتسيير هذه الكواكب والرياح والسحاب والمطر، وخلق هذه الحيوانات التي توجد مشاهدة، ثم إماتتها. ولهذا قال إبراهيم: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} فقول هذا الملك الجاهل: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} إن عنى أنه الفاعل لهذه المشاهدات فقد كابر وعاند، وإن عني ما ذكره قتادة والسدي ومحمد بن إسحاق، فلم يقل شيئًا يتعلق بكلام الخليل، إذ لم يمنع مقدمة، ولا عارض الدليل.
لما كان انقطاع مناظرة هذا الملك قد تخفى على كثير من الناس ممن حضره وغيرهم، ذكر دليلًا آخر بين وجود الصانع، وبطلان ما ادعاه النمرود وانقطاعه جهرة: {قَال إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} أي هذه الشمس مسخرة كل يوم، تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها، وهو الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء، فإن كنت كما زعمت من أنك الذي تحيي وتميت فائتِ بهذه الشمس من المغرب، فإن الذي =

<<  <  ج: ص:  >  >>