وقال لهم: {قَال هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} سلموا له أنها لا تسمع داعيًا ولا تنفع ولا تضر شيئًا، وإنما الحامل لهم على عبادتها الاقتداء بأسلافهم ومن هو مثلهم في الضلال من الآباء الجهال؛ ولهذا قال لهم: {أَفَرَأَيتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلا رَبَّ الْعَالمِينَ} [الشعراء: ٧٥ - ٧٧]. وهذا برهان قاطع على بطلان إلهية ما ادعوه من الأصنام، لأنه تبرأ منها وتنقص بها، فلو كانت تضر لضرته، أو تؤثر لأثرت فيه. {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ}؟ ويقولون: هذا الكلام الذي تقوله لنا وتنتقص به آلهتنا، وتطعن بسببه في آبائنا، أتقوله محقًّا جادًّا فيه أم لاعبًا؟ {قَال بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} يعني بل أقول لكم ذلك جادًا محقًا، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو، ربكم ورب كل شيء، فاطر السموات والأرض، الخالق لهما على غير مثال سبق، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وأنا على ذلكم من الشاهدين.
[موقفه من الأصنام]: وقوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها بعد أن تولوا مدبرين إلى عيدهم. قيل: إنه قال: هذا خفية في نفسه. وقال ابن مسعود: سمعه بعضهم. قال تعالى {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَال إِنِّي سَقِيمٌ} عرض لهم في الكلام حتى توصل إلى مقصوده من إهانة أصنامهم ونصرة دين الله الحق، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي تستحق أن تكسر وأن تهان غاية الإهانة. {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} أي ذهب إليها مسرعًا مستخفيًا، فوجدها في بهو عظيم، وقد وضعوا بين أيديها أنواعًا من الأطعمة قربانًا إليها فقال لها على سبيل التهكم والازدراء: {أَلَا تَأْكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَرَاغَ عَلَيهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} لأنها أقوى وأبطش وأقهر، فكسرها بقدوم في يده كما قال تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} أي حطامًا، كسرها كلها {إلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيهِ يَرْجِعُونَ} قيل: إنه وضع القدوم في يد الكبير، فلما وجدوا ما حل بمعبودهم: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون، وهو ما حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها، فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء لكنهم قالوا من جهلهم وقلة عقلهم وكثرة ضلالهم وخبالهم: {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} أي يذكرها بالعيب والتنقص لها والازدراء بها، فهو المقيم عليها والكاسر لها وعلى قول ابن مسعود، أي يذكرها بقوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ =