ذكر سبب عزل يزيد عمرَو بن سعيد عن المدينة وتوليته عليها الوليد بن عتبة
وكان السبب في ذلك وسبب إظهار عبد الله بن الزّبير الدعاءَ إلى نفسه -فيما ذكر هشام، عن أبي مخنف، عن عبد الملك بن نَوْفل- قال: حدّثني أبي، قال: لما قُتل الحسين عليه السلام قام ابن الزُّبير في أهل مكة وعظَّم مقتلَه، وعاب على أهل الكوفة خاصّة، ولامّ أهلَ العراق عامة، فقال بعد أن حَمِد الله وأثْنَى عليه وصَلى على محمد - صلى الله عليه وسلم -: إن أهل العراق غُدُرٌ فُجُرٌ إلا قليلًا، وإن أهل الكوفة شِرارُ أهل العراق؛ وإنهم دَعَوا حُسينًا لينصروه ويولّوه عليهم، فلما قدِم عليهم ثاروا إليه، فقالوا له: إمّا أن تضع يدَك في أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد بن سميَّة سِلْمًا فيُمضِيَ فيك حكمَه، وإما أن تحارب؛ فرأى -والله إنه هو وأصحابه قليل في كثير، وإن كان الله عزّ وجلّ لم يُطلع على الغيب أحدًا-: أنه مقتول، ولكنّه اختار الميتة الكريمةَ على الحياة الذميمة، فرحم الله حسينًا، وأخزَى قاتلَ حسين! لعَمري لقد كان من خلافهم إيّاه وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناهٍ عنهم، ولكنه ما حُمَّ نازل، وإذا أراد الله أمرًا لن يُدْفَع، أفبعد الحسين نطمئنّ إلى هؤلاء القوم ونصدّق قولهم ونقبل لهم عهدًا؟ ! لا، ولا نراهم لذلك أهلًا؛ أما والله لقد قتلوه طويلًا بالليل قيامه، كثيرًا في النهار صيامه، أحقَّ بما هم فيه منهم وأوْلى به في الدّين والفضل! أما والله ما كان يبدّل بالقرآن الغناءَ، ولا بالبكاء من خشية الله الحُداء، ولا بالصّيام شرب الحرام، ولا بالمجالس في حَلَق الذكر الرّكض في تَطْلاب الصيد -يعرّض بيزِيد- فسوف يلقون غَيًّا.
فثارَ إليه أصحابه فقالوا له: أيُّها الرجل أظهِر بيعتك، فإنه لم يبقَ أحد -إذْ هَلَك حسين- ينازعك هذا الأمر، وقد كان يبايع الناس سرًّا، ويُظهر: أنه عائذ بالبيت، فقال لهم: لا تعجلوا. وعمرو بن سعيد بن العاص يومئذ عامل مكة، وقد كان أشدّ شيء عليه وعلى أصحابه، وكان مع شدّته عليهم يداري ويرفق. فلما استقرّ عند يزيدَ بن معاوية ما قد جمع ابن الزبير من الجُموع بمكة، أعطى الله عهدًا ليُوثِقَنّه في سلسلة، فبعث بسلسلة من فضّة، فمرّ بها البريد على مَرْوان بن الحَكَم بالمدينة، فأخبِر خبر ما قدم له وبالسلسلة التي معه، فقال مروان:
خُذْها فليستْ للعزيز بخُطَّةٍ ... وفيها مقالٌ لامرئٍ مُتضَعفِ