للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَينَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} وكان موسى في واد اسمه "طوى" فكان موسى مستقبلًا القبلة، وتلك الشجرة عن يمينه من ناحية الغرب، فناداه ربه بالواد المقدس طوى، فأمر أولًا بخلع نعليه تعظيما وتكريمًا وتوقيرًا لتلك البقعة المباركة، ولا سيما في تلك الليلة المباركة.
ثم خاطبه تعالى كما يشاء قائلًا له: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالمِينَ} {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} أي أنا رب العالمين الذي لا إله إلَّا هو، الذي لا تصلح العبادة وإقامة الصلاة إلَّا له.

[عصا موسى]:
ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وإنما الدار الباقية يوم القيامة، التي لا بد من كونها ووجودها: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} أي من خير وشر، وحضه وحثه على العمل لها، ومجانبة من لا يؤمن بها ممن عصى مولاه واتبع هواه. ثم قال له مخاطبًا ومؤانسًا ومبينًا له أنه القادر على كل شيء، والذي يقول للشيء كن فيكون: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى} أي أما هذه عصاك التي تعرفها منذ صحبتها؟ {قَال هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} أي بلى هذه عصاي التي أعرفها وأتحققها، {قَال أَلْقِهَا يَامُوسَى (١٩) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى}. وهذا خارق عظيم وبرهان قاطع على أن الذي يكلمه هو الذي يقول للشيء كن فيكون، وأنه الفعال بالاختيار.
وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} أي قد صارت حية عظيمة لها ضخامة هائلة وأنياب تصك، وهي مع ذلك في سرعة حركة الجان، وهو ضرب من الحيات يقال له: الجان والجنان، وهو لطيف ولكنه سريع الاضطراب والحركة جدًّا، فهذه جمعت الضخامة والسرعة الشديدة، فلما عاينها موسى - عليه السلام -: {وَلَّى مُدْبِرًا} أي هاربًا منها؛ لأن طبيعته البشرية تقتضي ذلك {وَلَمْ يُعَقِّبْ} أي ولم يلتفت، فناداه ربه قائلًا له: {يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ}.
فلما رجع أمره الله تعالى أن يمسكها {قَال خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} فيقال إنه هابها شديدًا، فلما استمكن منها إذا هي قد عادت كما كانت عصا فسبحان القدير العظيم، رب المشرقين والمغربين! .
ثم أمره تعالى بإدخال يده في جيبه، ثم أمره بنزعها فإذا هي تتلألأ كالقمر بياضًا من غير سوء، أي من غير برص ولا بهق، ولهذا قال: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيبِكَ تَخْرُجْ بَيضَاءَ مِنْ غَيرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} قيل معناه: إذا خفت فضع يدك على فؤادك بسكن جأشك.
وقال في سورة النمل: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيبِكَ تَخْرُجْ بَيضَاءَ مِنْ غَيرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} أي هاتان الآيتان وهما: العصا واليد، هما البرهانان المشار إليهما في قوله: =

<<  <  ج: ص:  >  >>