وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة، ويقال لها "مارية" وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها قال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، ثم صوروا فيه تلك الصورة، أولئك شرار الخلق عند الله عزَّ وجلَّ (صحيح البخاري / كتاب الصلاة / ح ٤٢٧) ومسلم (١٦/ ٥٢٨).
[نوح يدعو لعبادة الله]: والمقصود أن الفساد لما انتشر في الأرض وعمَّ البلاء بعبادة الأصنام فيها، بعث الله عبده ورسوله نوحًا - عليه السلام -، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه. فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي حيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة، قال: "فيأتون آدم فيقولون: يا آدم .. أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربي قد غضب غضبًا شديدًا لم يغضب قبله مثله، ولا يَغْضب بعده مثله، ونهاني عن شجرة فعصيت، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح .. أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدًا شكورًا، ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك عزَّ وجلَّ؟ فيقول: ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي" وذكر تمام الحديث كما أورده البخاري في قصة نوح. (صحيح البخاري / كتاب الأنبياء / ح ٣٣٤٠) ومسلم (٣٢٧/ ١٩٤). فلما بعث الله نوحًا - عليه السلام -، دعاهم إلى إفراد عبادة الله وحده لا شريك له، وألا يعبدوا معه صنمًا ولا تمثالًا ولا طاغوتًا وأن يعترفوا بوحدانيته، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل الذي هم كلهم من ذريته، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}، وقال فيه وفي إبراهيم: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}، أي كل نبي من بعد نوح من ذريته، وكذلك إبراهيم. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلا نُوحِي إِلَيهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}. ولهذا قال نوح لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، وقال: {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إلَّا =