المؤمنين، هيه يا عمرو! إذا ظهر أهل المدينة قلتَ: أنا رجل منكم، وإن ظهر أهلُ الشام قلتَ: أنا ابن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فأمر به فنُتِفت لحيتُه، ثم قال: يا أهل الشام! إنّ أمّ هذا كانت تدخِل الجُعَل في فيها ثم تقول: يا أمير المؤمنين! حاجيْتك ما في فمي؟ وفي فمها ما ساءَها وناءَها، فخلّي سبيله، وكانت أمُّه من دَوْس. (٣: ٤٩٤).
[وقعة الحرة]
وقد ذُكر من أمر وقعة الحرّة ومقتل ابن الغسيل أمرٌ غيْرُ الذي رُوي عن أبي مخنف، عن الذين رَوَى ذلك عنهم، وذلك ما حدّثني أحمد بن زهير قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا وهب بن جرير، قال: حدّثنا جويرية بن أسماء، قال: سمعتُ أشياخَ أهل المدينة يحدّثون: أن معاوية لمّا حضرته الوفاة دعا يزيدَ فقال له: إن لك من أهل المدينة يومًا، فإنْ فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة، فإنه رجل قد عرفتُ نصيحتَه. فلما هلك معاوية وفد إليه وفدٌ منْ أهل المدينة، وكان ممن وفد عليه عبدُ الله بنُ حنظلة بن أبي عامر، وكان شريفًا فاضلًا سيّدًا عابدًا، معه ثمانية بنينَ له، فأعطاه مئةَ ألف درهم، وأعطَى بنيه لكلّ واحد منهم عشرة آلاف سوى كُسوتهم وحُملانهم، فلما قدم المدينة عبد الله بن حنظلة أتاه الناس، فقالوا: ما وراءك؟ قال: جئتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بنيَّ هؤلاء لجاهدتهُ بهم؛ قالوا: قد بلغَنا: أنه أجداك، وأعطاك، وأكرمك؛ قال: قد فعل، وما قبلتُ منه إلا لأتقوَّى به؛ وحضَّض الناسَ فبايعوه، فبلغ ذلك يزيد، فبعث مُسْلم بن عُقْبة إليهم، وقد بعث أهل المدينة إلى كلّ ماء بينهم وبين الشأم، فصبّوا فيه زقًّا من قَطِران، وعُوِّر، فأرسل الله السماء عليهم، فلم يستقوا بدَلْوٍ حتى ورَدُوا المدينة، فخرج إليهم أهلُ المدينة بجموع كثيرة، وهيئة لم يُرَ مِثلُها، فلما رآهم أهل الشأم هابُوهم وكرهوا قتالَهم، ومسلم شديدُ الوجع، فبينما الناس في قتالهم؛ إذ سمعوا التكبيرَ من خلْفهم في جوف المدينة، وأقحم عليهم بنو حارثة أهلَ الشأم، وهم على الجَدّ، فانهزم الناسُ، فكان من أصيب في الخندق أكثرَ ممن قُتل من الناس، فدخلوا المدينة، وهُزم الناس وعبد الله بن حنظلة مستندٌ إلى أحد بنيه يغطّ نومًا، فنبّهه ابنه، فلما فتح عينيه فرأى ما صنع