وكان - فيما قيل - من أشجع رجال الخبيث الذين كانوا في حيِّز المهلبيّ ومن قوّاده الزنج مدبد وابن أنكلويه ومنينة، فخلع عليهم جميعًا، ووُصلوا بصلات كثيرة، وحُمِلوا على الخيل، وأحسن إلى جميع من جاؤوا به معهم من أصحابهم، وانقطعت عن الخبيث موادّ الميرة، وسُدّت عليه وعلى من أقام معه المذاهب، وأمر شبلا وأبا النداء - وهما من رؤساء قوّاده وقدماء أصحابه الذين كان يعتمد عليهم ويثق بمناصحتهم - بالخروج في عشرة آلاف من الزَّنج وغيرهم، والقصد لنهر الدير ونهر المرأة ونهر أبي الأسد، والخروج من هذه الأنهار إلى البَطيحة للغارة على المسلمين، وأخذا ما وجدا من طعام وميرة ليُقطع عن عسكر الموفق ما يرده من الميرة وغيرها من مدينة السلام وواسط ونواحيها.
فندب الموفّق لقصدهم حين انتهى إليه خبر مسيرهم مولاه زيرك صاحب مقدمة أبي العباس، وأمره بالنهوض في أصحابه إليهم، وضمّ إليه من اختار من الرجال، فمضى في الشَذَوات والسُّميريّات، وحمل الرجّالة في الزواريق والسفن الخِفاف حثيثًا، حتى صار إلى نهر الدير، فلم يعرف لهم هنالك خبرًا، فصار منه إلى بثْق شِيرين، ثم سلك في نهر عديّ حتى خرج إلى نهر ابن عمر، فالتقى به جيش الزَّنْج في جمع راعتْه كثرته، فاستخار الله في مجاهدتهم، وحمل عليهم في ذوي البصائر والثبات من أصحابه، فقذف الله الرعب في قلوبهم، فانفضّوا، ووضع فيهم السلاح، فقتَل منهم مقتلةً عظيمة، وغرِق منهم مثل ذلك، وأسَر خلقًا كثيرًا، وأخذ مِنْ سفنهم ما أمكنه أخذه، وغرق منها ما أمكن تغريقه؛ فكان ما أخذ من سفنهم نحوًا من أربعمئة سفينة، وأقبل بمن معه من الأسارى وبالرؤوس إلى عسكر الموفق.
* * *
[[خبر عبور الموفق إلى مدينة صاحب الزنج لحربه]]
وفي ذي الحجة لست بقين منه عبر الموفق بنفسه إلى مدينة الفاسق وجيشه لحربه.
* ذكر السبب الذي من أجله كان عبورهُ إليها:
وكان السبب في ذلك - فيما ذكر - أنَّ الرؤساء من أصحاب الفاسق، لمّا رأوْا