أبي الخصيب، وانقطع عن أصحابه، فكرُّوا عليه شذواتِهم، وانتهى إلى مضيق، فعلقت مجاديف بعض شذواته بمجاديف بعض شذواتهم، فجنحت وتقصّفت بالشطّ، وأحاط به الآخرون واكتنفوه من جوانبه، وانحدر عليه الزَّنْج من السور، فحاربهم بمَنْ كان معه حربًا شديدًا حتى قتلوا.
وأخذ الزّنج شذواتِهم، فأدخلوها نهر أبي الخصيب، ووافى أبو العباس بالشذوات الجنّابية سالمة بما فيها من السلاح والرجال، فأمر أبو أحمد أبا العباس بتقلّد أمر الشَّذَوات كلها والمحاربة بها، وقطع مواد المِير عنهم من كلّ جهة، ففعل ذلك، فأصلِحت الشذوات، ورتَّب فيها المختارون من الناشبة والرّامحة؛ حتى إذا أحكم أمرها أجمع، ورتّبها في المواضع التي كانت تقصد إليها شذوات الخبيث، وتعيث فيها، أقبلت شذواته على عادتها التي كانت قد جرت عليها، فخرج إليهم أبو العباس في شَذَواته، وأمر سائر أصحاب الشَّذَا أن يحملوا بحملته، ففعلوا ذلك وخالطوهم، وطفِقوا يرشُقونهم بالسهام، ويطعنونهم بالرماح، ويقذفونهم بالحجارة؛ وضرب الله وجوَههم، فولوْا منهزمين، وتبعهم أبو العباس وأصحابه حتى أولجوهم نهر أبي الخصيب، وغرق لهم ثلاث شذوات، وظفر بشذاتين من شذواتهم بما فيها من المقاتلة والملاحين. فأمر أبو العباس بضرب أعنَاق مَنْ ظفِر به منهم.
فلما رأى الخبيث ما نزل بأصحابه، امتنع من إخراج الشَّذا عن فناء قصره، ومنِع أصحابه أن يجاوزوا بها الشطّ إلا في الأوقات التي يخلو دِجْلة فيها من شَذوات الموفّق.
فلمّا أوقع بهم أبو العباس هذه الوقعة اشتدّ جزعُهم، وطلب وجوه أصحاب الخبيث الأمانَ فأومِنوا، فكان ممن استأمَن من وجوههم - فيما ذكر - محمد بن الحارث العميّ، وكان إليه حفظ عسكر مَنكى والسور الذي يلي عسكر الموفّق، وكان خروجُه ليلَّا مَع عدّة من أصحابه، فوصله الموفّق بصلات كثيرة، وخلع عليه، وحمله على عدّة دوابّ بخليتها وآلتها، وأسنى له الرّزق، وكان محمد بن الحارث حاول إخراج زَوْجته معه، وهي إحدى بنات عمه، فعجزت المرأة عن اللحاق به، فأخذها الزنج فردّوها إلى الخبيث، فحبسها مدّة، ثم أمر بإخراجها والنداء عليها في السوق، فبيعت؛ ومنهم أحمد المعروف بالبَرذعيّ.