ذكر عليّ بن محمد عن أشياخه أن الجنيد بن عبد الرحمن خرج غازيًا في سنة اثنتي عشرة ومئة يريد طخارستان، فنزل على نهر بلخ، ووجّه عمارة بن حريم إلى طخارستان في ثمانية عشر ألفًا وإبراهيم بن بسام الليثي في عشرة آلاف في وجه آخر، وجاشت الترك فأتوا سمرقند، وعليها سورة بن الحر؛ أحد بني أبان بن دارم، فكتب سورة إلى الجنيد: إن خاقان جاش بالترك، فخرجتُ إليهم فما قدرتُ أن أمنع حائط سمرقند؛ فالغوث! .
فأمر الجنيد الناس بالعُبور، فقام إليه المجشّر بن مزاحم السلميّ وابن بسطام الأزْديّ وابن صُبْح الخَرَقيّ، فقالوا: إن التُرك ليسوا كغيرهم، لا يلقونك صفًّا ولا زحفًا، وقد فرَّقت جندك، فمسلم بن عبد الرحمن بالنيروذ، والبختريّ بهراة، ولم يحضرك أهل الطالقان، وعمارة بن حريم غائب. وقال له المجشِّر: إن صاحب خراسان لا يعبر النهر في أقلّ من خمسين ألفًا؛ فاكتب إلى عمارة فليأتك، وأمهل ولا تعجل، قال: فكيف بسورة ومَن معه من المسلمين! لو لم أكن إلا في بني مُرّة، أو من طلع معي من أهل الشأم لعبرتُ. وقال: أليس أحقَّ الناسِ أن يَشهَدَ الوغى وأن يقتل الأبطال ضَخْمٌ على ضخم وقال:
ما علَّتي ما علّتي ما عِلّتي! ... إنْ لم أقاتِلْهُمْ فجُزّوا لِمَّتي
قال: وعبر فنزل كِسَّ؛ وقد بعث الأشهب بن عبيد الحنظليّ ليعلم علمَ القوم، فرجع إليه وقال: قد أتوْك فتأهبْ للمسير.
وبلغ الترك فعَوّروا الآبار التي في طريق كِسّ وما فيه من الركايا، فقال الجنيد: أيّ الطريقين إلى سَمرَقند أمثل؟ قالوا: طريق المحرَقة. قال المجشِّر بن مزاحم السلميّ: القتل بالسيف أمثلُ من القتل بالنار؛ إن طريق المحترقة فيه الشّجر والحشيش ولم يُزْرَع منذ سنين، فقد تراكم بعضه على بعض، فإن لقيتَ خاقان أحرق ذلك كله، فقتلنا بالنار والدخان؛ ولكن خذ طريق العَقَبة، فهو بيننا وبينهم سواء.
فأخذ الجُنيد طريقَ العَقَبة، فارتقى في الجبل، فأخذ المجشّر بعنان دابته، وقال: إنه كان يقال: إنّ رجلًا من قيس مترَفًا يهلك على يديه جند من جنود