وفي هذه السنة دخل أبو حمزة الخارجيّ مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلم وهرب عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك إلى الشام (١).
قال العباس: قال هارون: وأخبرني يحيى بن زكريّاءَ أن أبا حمزة خطب بهذه الخطبة، قال: رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
تعلمون يا أهلَ المدينة أنا لم نخرج من ديارنا وأموالنا أشَرًا ولا بَطرًا ولا عبثًا، ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيه، ولا لثأر قديم نيل منا؛ ولكنا لما رأينا مصابيح الحق قد عُطلتْ، وعنِّف القائل بالحق، وقتِل القائم بالقسط: ضاقت علينا الأرض بما رحُبت، وسمعنا داعيًا يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن، فأجبنا داعيَ الله {وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ}، أقبلنا من قبائل شتى، النفر منّا على بعير واحد عليه زادهم وأنفسهم، يتعاورون لِحافًا واحدًا، قليلون مستضعفون في الأرض؛ فآوانا وأيّدنا بنصره، فأصبحنا والله جميعًا بنعمته إخوانًا، ثم لقينا رجالكم بقُديد، فدعوْناهم إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن، ودعونا إلى طاعة الشيطان وحكْم آل مروان؛ فشتّان لعمر الله ما بين الرّشد والغيّ. ثم أقبلوا يهرعون يزفّون، قد ضرب الشيطان فيهم بجِرانه، وغلتْ بدمائهم مراجله، وصدّق عليهم ظنه، وأقبل أنصار الله عزّ وجلّ عصائب وكتائب، بكل مهنّد ذي رَوْنقٍ، فدارت رحانا واستدارت رحاهم بضربٍ يرتاب منه المبطلون. وأنتم يا أهلَ المدينة، إن تنصروا مرْوان وآل مرْوان يُسحتكم الله عزّ وجلّ بعذاب من عنده أو بأيدينا. ويشْفِ صُدور قوم مؤمنين. يا أهلَ المدينة، أوَّلكم خيرُ أوّل وآخركم شرّ آخر، يا أهل المدينة، الناس منا ونحن منهم؛ إلا مشركًا عابدَ وثن، أو مشرك أهل الكتاب، أو إمامًا جائرًا. يا أهل المدينة مَنْ زعم أنّ الله عزَّ وجلَّ كلف نفسًا فوق طاقتها، أو سألها ما لم يُؤتِها، فهو لله عزّ وجلّ عدوّ، ولنا حرب. يا أهل المدينة، أخبروني عن ثمانية أسهم فرضها الله عزّ وجلّ في كتابه على القويّ والضعيف، فجاء تاسع ليس له مِنها ولا سهم