للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد، فأخذها جميعها لنفسه، مكابرًا محاربًا لربه. يا أهلَ المدينة؛ بلغني أنكم تنتقصون أصحابي؛ قلتم: شباب أحدَاث، وأعراب جُفاة، ويلكم يا أهل المدينة! وهل كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا شبابًا أحداثًا! شباب والله مكتهلون في شبابهم، غضيّةٌ عن الشرِّ أعينهم، ثقيلة عن الباطل أقدامهم، قد باعوا الله عزَّ وجلَّ أنفسًا تموت بأنفس لا تموت، قد خالطوا كلالهم بكلالِهم، وقيام ليلهم بصيام نهارهم، منحنيةٌ أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مروا بآية [خوفٍ شهقوا خوفًا من النار، وإذا مروا بآية] شوق شهقوا شوقًا إلى الجنة، فلما نظروا إلى السيوف قد انتُضيِتْ والرماح قد أشرعت، وإلى السهام قد فُوّقَتْ، وأرعدت الكتيبة بصواعق الموت، استخفُّوا وعيد الكتيبة لوعيد الله عزّ وجل، ولم يستخفُّوا وعيد الله لوعيد الكتيبة، فطوبى لهم وحسن مآب! فكم من عين في منقار طائر طالما فاضت في جوف الليل من خوف الله عزَّ وجلَّ! وكم من يدٍ زالت عن مفصلها طالما اعتمد بها صاحبها في سجوده لله، وكم من خدّ عتيق وجبين رقيق فُلِق بعَمد الحديد. رحمة الله على تلك الأبدان، وأدخل أرواحها الجنان. أقول قولي هذا وأستغفر الله من تقصيرنا، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب (١).

حدثني العباس، قال قال هارون: حدّثني جدّي أبو علقمة، قال: سمعت أبا حمزة على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: من زَنى فهو كافر، ومن شكّ فهو كافر، ومَنْ سرق فهو كافر، ومَنْ شكّ أنه كافر فهو كافر (٢).

قال العباس: قال هارون: وسمعتُ جدّي يقول: كان قد أحسن السيرة في أهل المدينة حتى استمال الناس حين سمعوا كلامه، في قوله: "من زنى فهو كافر" (٣).

قال العباس: قال هارون: وحدّثني بعض أصحابنا: لما رقى المنبر قال: برَح الخفاء، أين ما بك يذهب! مَنْ زنى فهو كافر، ومَنْ سرق فهو كافر. قال العباس: قال هارون: وأنشدني بعضهم في قُدَيد:


(١) اخترنا هذه الخطبة لنضعها في قسم الصحيح لوجود ما يؤبدها عند خليفة كما سيأتي.
(٢) أبو علقمة (عبد الله بن محمد الغروي) ثقة وانظر تعليقنا الأخير.
(٣) انظر تعليقنا الآتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>