الخير: الإيمان بالله عزّ وجلّ وبرسوله - صلى الله عليه وسلم -، والجهاد في سبيل الله تعالى ذكره، وجعل ثوابه مغفرة الذنب، ومساكنَ طيّبة في جناتِ عدن، ثم أخبركم أنه يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص؛ فسوُّوا صفوفَكم كالبنيان المرصوص، وقدِّموا الدارع، وأخّروا الحاسر، وعَضّوا على الأضراس، فإنه أنبَى للسيوف عن الهام، والتَوُوا في أطراف الرماح، فإنّه أصوَن للأسنّة، وغُضّوا الأبصار فإنه أربَط للجأش، وأسكَن للقلوب، وأميتوا الأصوات فإنه أطرَد للفشل، وأولى بالوقار، راياتِكم فلا تُميلوها، ولا تزيلوها، ولا تجعلوها إلّا بأيدي شجعانكم، فإن المانع للذّمار، والصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ الذين يحفّون براياتهم ويكنفونها، يضربون حِفافيها خَلفها وأمامها، ولا يضعونها، أجزأ امرؤٌ وقذ قِرْنه -رحمكم الله- وآسى أخاه بنفسه، ولم يَكِل قِرنَه إلى أخيه، فيكسب بذلك لائمةً، ويأتِيَ به دناءة. وأنّى لا يكون هذا هكذا! وهذا يقاتل اثنين، وهذا ممسك بيده يُدخل قرنه على أخيه هاربًا منه، أو قائمًا ينظر إليه! من يفعل هذا يمقتْه الله عزّ وجلّ، فلا تعرّضوا لمقت الله سبحانه فإنما مردّكم إلى الله، قال الله عزّ من قائل لقوم:{لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} وايمُ الله لئن سلمتم من سيف العاجلة لا تَسلمون من سيف الآخرةِ! واستعِينوا بالصدق والصبر، فإنّ بعد الصبر يُنزل الله النصر (١). (٥: ١٦/ ١٧).
الجدّ في الحرب والقتال
١٠٩٧ - قال أبو مخنف: حدّثني أبو رَوْق الهمْدانيّ: أن يزيد بن قيس الأرحبيّ حرّض الناس، فقال: إنّ المسلم السليمَ من سَلِم دينُه ورأيُه، وإنّ هؤلاء القوم والله إن يقاتلوننا على إقامة دين رأونا ضيّعناه، وإحياء حقّ رأونا أمَتْناه! وإن يقاتلوننا إلّا على هذه الدنيا ليكونوا جبابرةً فيها ملوكًا، فلو ظهروا عليكم - لا أراهم الله ظهورًا ولا سرورًا! - لزموكم بمثل سعيد، والوليد، وعبد الله بن عامر السفيه الضالّ، يخبر أحدهم في مجلسه بمثل ديَته وديَة أبيه وجَدّه، يقول: هذا لي، ولا إثمَ عليّ، كأنما أعطي تراثه عن أبيه وأمه، وإنما