والمدينة، ومضى يزيد بن جرير إلى اليمن، فدعا أهلها إلى خَلْع محمد وبيعة عبد الله المأمون، وقرأ عليهم كتابًا من طاهر بن الحسين يعدُهم العدل والإنصاف، ويرغّبهم في طاعة المأمون، ويعلّمهم ما بسط المأمون من العَدل في رعيّته، فأجاب أهل اليمن إلى بيعة المأمون، واستبشروا بذلك، وبايعوا للمأمون، وخلعوا محمدًا، فسار فيهم يزيد بن جرير بن يزيد بأحسن سيرة، وأظهر عدلا وإنصافًا، وكتب بإجابتهم وبيعتهم إلى المأمون وإلى طاهر بن الحسين.
* * *
وفي هذه السنة عقد محمد في رجب وشعبان منها نحوًا من أربعمائة لواء لقوّاد شتى، وأمّر على جميعهم عليّ بن محمد بن عيسى بن نهيك، وأمرهم بالمسير إلى هرثمة بن أعين، فساروا فالتقوا بجَلُلْتَا في رمضان على أميال من النّهروان، فهزمهم هرثمة، وأسر عليّ بن محمد بن عيسى بن نهيك، وبعث به هرثمة إلى المأمون، وزحف هرثمة فنزل النهروان (١).
[[ذكر خبر شغب الجند على طاهر بن الحسين]]
وفي هذه السنة استأمن إلى محمد من طاهر جماعة كثيرة، وشغب الجند على طاهر، ففرّق محمد فيمن صار إليه من أصحاب طاهر مالًا عظيمًا، وقوّد رجالًا، وغلف لحاهم بالغالية، فسمُّوا بذلك قواد الغالية.
ذكر الخبر عن سبب ذلك وإلى ما آل إليه الأمر فيه:
ذكر عن يزيد بن الحارث، قال: أقام طاهر على نهر صَرصْر لما صار إليها، وشمّر في محاربة محمد وأهل بغداد، فكان لا يأتيه جيش إلا هزمه، فاشتدّ على أصحابه ما كان محمد يعطي من الأموال والكُسا، فخرج من عسكره نحو من خمسة آلاف رجل من أهل خُراسان ومن التف إليهم، فسُرّ بهم محمد، ووعدهم ومناهم، وأثبت أسماءهم في الثمانين. قال: فمكثوا بذلك أشهرًا، وقوّد جماعة
(١) انظر الخبر في البداية والنهاية [٨/ ١٤٢] وقد أشار ابن قتيبة الدينوري إشارة بسيطة إلى النهروان فقال: وصار هرثمة إلى النهروان ثم زحف إلى نهر تيري [المعارف/ ٣٨٦].