من الحربية وغيرهم ممن تعرض لذلك وطلبه، وعقد لهم، ووجّههم إلى دسكرة الملك والنهروان، ووجّه إليهم حبيب بن جهم النمري الأعرابيّ في أصحابه؛ فلم يكن بينهم كثير قتال، وندب محمد قوادًا من قواد بغداد، فوجّههم إلى الياسريّة والكوثريّة والسفينتين، وحمل إليهم الأطعمة، وقواهم بالأرزاق، وصيّرهم ردءًا لمن خلفهم، وفرّق الجواسيس في أصحاب طاهر، ودسَّ إلى رؤساء الجند الكتب بالإطماع والترغيب فشغبوا على طاهر واستأمن كثير منهم إلى محمد، ومع كل عشرة أنفس منهم طبل، فأرعدوا وأبرقوا وأجلبوا، ودنَوْا حتى أشرفوا على نهر صرصر، فعبَّى طاهر أصحابه كراديس، ثم جعل يمرّ على كل كرِدوس منهم، فيقول: لا يغرنكم كثرة مَنْ ترون، ولا يمنعكم استئمان من استأمن منهم، فإنّ النصر مع الصدق والثبات، والفتح مع الصبر، وربّ فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ثم أمرهم بالتقدم، فتقدمّوا واضطربوا بالسيوف مليًّا. ثم إن الله ضرب أكتاف أهل بغداد فولَّوْا منهزمين، وأخلوا موضع عسكرهم، فانتهب أصحاب طاهر كلّ ما كان فيه من سلاح ومال. وبلغ الخبرُ محمدًا، فأمر بالعطاء فوُضع، وأخرج خزائنه وذخائره، وفرّق الصلات وجمع أهل الأرباض، واعترض الناس على عينه، فكان لا يرى أحدًا وسيما حسن الرّواء إلا خلع عليه وقوّده، وكان لا يقوّد أحدًا إلا غلِّفت لحيته بالغالية؛ وهم الذين يسمون قواد الغالية. قال: وفرّق في قواده المحدثين لكل رجلٍ منهم خمسمائة درهم وقارورة غالية، ولم يعط جند القواد وأصحابهم شيئًا. وأتت عيون طاهر وجواسيسه طاهرًا بذلك؛ فراسلهم وكاتبهم، ووعدهم واستمالهم، وأغرى أصاغرهم بأكابرهم، فشغبوا على محمد يوم الأربعاء لست خلون من ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائة، فقال رجل من أبناء أهل بغداد في ذلك:
قُلْ لِلأَمينِ اللهِ في نَفسِهِ ... ما شتت الجندَ سِوَى الغاليهْ