قال يَحْيَى: فأدخلوني عليه معهم، فوقفوا بين يديه، ووقفت آخرهم فقال لي: يا يَحْيَى، ادنُ، فدنوت، ثم قال لي: اجلس، فجلست فجثوتُ بين يديه، فقال لي: إنِّي قد تصفحت أبناء شيعتي وأهل دولتي، واخترت منهم رجلًا لهارون ابني أضمّه إليه ليقوم بأمر عسكره، ويتولى كتابته، فوقعتْ عليك خِيرتي له، ورأيتك أوْلَى به؛ إذ كنت مربّيَه وخاصّته، وقد ولّيتك كتابتَه وأمْرَ عسكره. قال: فشكرتُ ذلك له، وقبّلت يدَه، وأمر لي بمائة ألف درهم معونةً على سفري، فوُجّهت في ذلك العسكر لما وُجِّهت له.
قال: وأوفد الربيعُ سليمانَ بن برمك إلى المهديّ، وأوفد معه وفدًا، فأكرم المهديّ وفادته وفضله، وأحسن إلى الوفد الذين كانوا معه، ثم انصرفوا من وجههم ذلك.
* * *
عزل عبد الصمد بن عليّ عن الجزيرة وتولية زفر بن الحارث
وفي هذه السنة؛ سنة مسير المهديّ مع ابنه هارون، عزل المهديّ عبد الصَّمد بن عليّ عن الجزيرة، وولّى مكانه زفر بن عاصم الهلاليّ.
[ذكر السبب في عزله إياه]
ذُكر أن المهديّ سلك في سَفْرته هذه طريق الموصل، وعلى الجزيرة عبد الصمد بن عليّ، فلما شخص المهديّ من الموصِل، وصار بأرض الجزيرة، لم يتلقّه عبد الصَّمد ولا هيَأ له نُزُلًا، ولا أصلح له قناطر. فاضطغن ذلك عليه المهديّ، فلما لقيه تجهّمه وأظهر له جفاءً، فبعث إليه عبد الصَّمد بألطافٍ لم يرضَها، فردَّها عليه، وازْدَاد عليه سخطًا، وأمر بأخذه بإقامة النّزل له، فتعبّث في ذلك، وتقنّع، ولم يزل يربي ما يكرهه إلى أن نزل حصن مسلمة، فدعا به، وجرى بينهما كلامٌ أغلظ له فيه القولَ المهديّ، فردّ عليه عبد الصَّمد ولم يحتمله، فأمر بحبسه وعَزْله عن الجزيرة، ولم يزل في حبسه في