ما أحتاج إلى شيء من العُدّة؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ودَاعه! فقال لي: متى تراك خارجًا؟ قال: قلت: من غدٍ، قال: فودّعته وخرجت، فلحقت القوم. قال: فأقبلتُ أنظر إلى الرّشيد يخرج، فيضرب بالصَّوالجة، وأنظر إلى موسى بن عيسى وعبد الملك بن صالح؛ وهما يتضاحكان منه.
قال: فصرت إلى الرَّبيع والحسن - وكنّا لا نفترق - قال: فقلت: لا جزاكما الله عمّن وجَّهكما ولا عمّن وُجِّهتُما معه خيرًا؛ فقالَا: إيهٍ، وما الخبر؟ قال: قلت: موسى بن عيسى وعبد الملك بن صالح يتضاحكان من ابن أمير المؤمنين، أوَمَا كنتما تقدران أن تجعلا لهما مجلسًا يدخلان عليه فيه ولمن كان معه من القوّاد في الجمعة يدخلون عليه ويخلّوه في سائر أيامه لما يريد! قال: فبينا نحن في ذلك المسير إذ بعثا إليّ في الليل. قال: فجئت وعندهما رجل، فقالا لي: هذا غلام الغمر بن يزيد، وقد أصبنا معه كتاب الدولة. قال: ففتحت الكتابَ، فنظرت فيه إلى سِنِي المهديّ فإذا هي عشر سنين. قال: فقلت: ما في الأرض أعجب منكما! أتريان أنّ خبر هذا الغلام يخفى، وأن هذا الكتاب يستتر! قالا: كلّا، قلت: فإذا كان أمير المؤمنين قد نقص من سنيه ما نقص، أفلستم أوّلَ مَنْ نعى إليه نفسَه! قال: فتبلّدوا والله، وسُقط في أيديهما، فقالا: فما الحيلةُ؟ قلت: يا غلام عليّ بعنبسة - يعني الورَّاق الأعرابي مولى آل أبي بديل - فأتِيَ به، فقلت له: خط مثل هذا الخطّ، وورقة مثل هذه الورقة، وصيّر مكان عشر سنين أربعين سنة، وصيرها في الورقة، قال: فوالله لولا أني رأيتُ العشر في تلك والأربعين في هذه ما شككت أن الخَطّ ذلك الخط، وأن الورقة تلك الورقة.
قال: ووجّه المهديّ خالد بن برمك مع الرّشيد وهو وليّ العهد حين وجَّهه لغزو الروم، وتوجّه معه الحسن وسليمان ابنا برمك، ووجّه معه على أمر العسكر ونفقاته وكتابته والقيام بأمره يَحْيَى بن خالد - وكان أمر هارون كلّه إليه - وصُيِّر الرَّبيع الحاجب مع هارون يغزو عن المهديّ، وكان الذي بين الرَّبيع ويحيى على حسب ذلك؛ وكان يشاورهما ويعمل برأيهما؛ ففتح الله عليهم فتوحًا كثيرة، وأبلاهم في ذلك الوجه بلاءً جميلًا، وكان لخالد في ذلك بسَمَالو أثر جميل لم يكن لأحد؛ وكان منجّمهم يسمى البرمكيّ تبرّكًا به، ونظرًا إليه. قال: ولما ندب المهديّ هارون الرشيد لما ندبَه له من الغَزْو، أمر أن يدخل عليه كتَّاب