حِجَازِيَّةٌ عُلْويَّةٌ خَلَّ أهلها ... مصابَ الخريفِ بَينَ زُورٍ وَمِنْوَرِ
ألا هَلْ أتى قَوْمي على النَّأْي أنَّني ... حِمَيتُ ذِماري يَوْمَ بابِ المُشَقَّر
ضَرَبْتُ رِتاجَ البابِ بالسَّيفِ ضَرْبَةً ... تفرَّجَ مِنْها كلُّ بَابٍ مُضَبَّرِ
وكلَّم هوذة بن عليّ المُكَعْبِر يومئذ في مئةٍ من أسْرَى بني تميمٍ، فوهبهم له يوم الفِصْح، فأعتقهم، ففي ذلك يقول الأعشى:
سائِلْ تميمًا به أيَّامَ صَفْقَتِهمْ ... لمَّا أتَوْهُ أُسَارَى كلُّهم ضَرَعا
وَسْطَ المُشَقّرِ في غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ ... لا يَسْتَطيعونَ بَعْدَ الضُّرِّ مُنْتَفعا
فقال للمَلْكِ أطْلِقْ مِنْهُمُ مئةً ... رسْلًا مِنَ القَوْلِ مَخْفُوضًا وما رَفَعا
فقَكَّ عن مئَةٍ مِنْهُمْ إسارَهُم ... وأصْبَحوا كُلُّهُمْ مِنْ غُلِّهِ خُلِعا
بِهِمْ تَقَرَّبَ يَوْمَ الفِصْحِ ضَاحِيَةً ... يرْجُو الإلهَ بِمَا أسْدَى ومَا صَنَعَا
فلا يَرَوْنَ بذاكمْ نِعْمَة سَبَقَتْ ... إنْ قال قائِلها حَقًّا بِها وسِعَا
يصف بني تميم بالكُفْر لنعمته.
قال: فلما حضرت وهْرِزَ الوفاة - وذلكَ في آخر ملْك أنوشِرْوان - دعا بقوسه، ونشَّابته، ثم قال: أجلسوني، فأجلسوه، فرمى، وقال: انظروا حيث وقعت نُشَّابتي فاجعلوا ناؤوسي هناك، فوقعت نشَّابتُه من وراء الدَّير، وهي الكنيسة التي عند نُعْم، وهيَ تسمَّى اليومَ مقبرةَ وهْرِز؛ فلمَّا بلغ كسْرَى موتُ وَهْرِز، بَعَثَ إلى اليمن أسوارًا يقال له: وين، وكان جَبَّارًا مُسْرِفًا، فَعَزَلَهُ هُرْمُز بن كِسْرَى، واستعمل مكانه المَرُوزان، فأقام باليمن حتى وُلدَ له بها، وبَلَغ ولدُه. ثم هلك كِسْرَى أنوشِرْوان، وكان مُلْكُه ثمانِيًا وأربعين سنة.
[[ذكر ملك هرمز بن كسرى أنوشروان]]
ثم ملك هُرْمُز بن كِسْرى أنوشروان، وكانت أمّهُ ابنة خاقان الأكْبر، فحُدّثْتُ عن هشام بن محمد، قال: كان هُرْمُز بن كِسْرى هذا كثيرَ الأدب، ذا نِيَّة في الإحسان إلى الضُّعفاء والمساكين، والحمل على الأشراف، فعادَوْه وأبغضوه، وكان في نفْسِه عليهم مثلُ ذلك، ولمَّا عُقِدَ التَاجُ على رأسه، اجْتَمَع إليه أشرافُ أهْلِ مَمْلَكَتِه، واجتهدوا في الدعاء له والشكر لوالده، فوعدهم خيرًا. وكان مُتَحَرِّيًا للسيرةِ في رعيَّتِه بالعدْل، شديدًا على العظماء لاستطالتهم كانت على