للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوُضعاء، وبلغ من عدْله: أنَّه كان يسير إلى ماه ليصيفَ، فأمر فَنُوديَ في مسيره ذلك في جُنْدِه وسائر منْ كان في عسْكره أنْ يتحامَوْا مواضعَ الحُروث ولا يضرّوا بأحَدٍ من الدَّهاقين فيها، ويضبطوا دوابَّهُمْ عن الفساد فيها، ووكَّل بتعاهد ما يكُون في عسكره من ذلك ومعاقبةِ منْ تعدَّى أمْرَه.

وكان ابنُه كِسْرَى في عَسْكَرِه، فعار مركب من مراكِبِه ووقِع في مَحْرَثَة من المحارث التي كانت على طريقه فرتع فيها وأفْسَد منها، فأخِذ ذلك المركب، ودُفِع إلى الرَّجُل الذي وكّل هُرْمُز بمعاقبة من أفسد أَوْ دابَّتهُ شيئًا من المحارث وتغريمه. فلم يقدر الرَّجل على إنفاذ أمر هُرْمز في كسرى، ولا في أحد مِضَن كان معه في حَشَمِه، فرفع ما رأى من إفساد ذلك المركب إلى هُرْمز، فأمر أن يجْدَع أذنيه، ويبتَّر ذَنَبُه، ويغرّم كسرى؛ فخرج الرَّجل من عند هُرْمُز لينفِّذ أمرَه في كِسْرى ومركبه ذلك، فدسَّ له كِسْرَى رهْطًا من العُظماء ليسْألوه التَّغْبيبَ في أمْره، فلقوه وكلَّموه في ذلك فلم يجب إليه، فسألوه أن يؤخِّر ما أمر به هُرْمُز في المركب حتى يكلِّموه فيأمر بالكفّ عنه، ففعل. فلقيَ أولئك الرَّهْط هُرْمُز وأعلموه: أن بالمرْكب الذي أفسد ما أفسد زعارَةً، وأنَّه عار فوقع في مَحْرَثَة؛ فأخِذ من ساعة وقع فيها، وسَألوه أن يأمر بالكفّ عن جدْعِه وتَبْتيرِه لما فيها من سوء الطِّيَرَة على كِسْرى. فلم يُجِبْهُم إلى ما سَألوا من ذلك، وأمر بالمركب فجُدِع أذناه، وَبُتِرَ ذنبه، وغرم كِسْرَى مثل ما كان يغزَم غيره في هذا الحدّ، ثمَّ ارتحل من معسكره. وكان هُرْمُز ركب ذات يوم في أوان إيناعِ الكرْم إلى ساباط المدائن، وكانَ مَمرُّهُ على بساتينُ وكرومٍ، وإنَّ رجلًا ممّن ركب معه من أساورَته اطَّلع في كَرْمٍ فرأى فيه حِصرِمًا، فأصاب منه عناقيدَ ودَفَعَها إلى غلامٍ كان معه، وقال له: اذهب بها إلى المنْزِل واطبُخْها بِلَحمٍ واتَّخِذْ منها مَرقة فإنها نافعة في هذا الإبَّان. فأتاه حافظُ ذلك الكرْم فَلَزِمَه وصرخ، فبلغ [من] إشفاق الرَّجل من عقوبة هرمز على تناوُله من ذلك الكرْم أنْ دفع إلى حافظ الكرْم مِنْطَقة محلَّاة بذهب كانت عليه، عوضًا له من الحصْرم الذي رزأ من كرْمه، وافتدى نفسَه بها، ورأى: أن قَبْضَ الحافظ إياها منه وتخْلِيته عنه، مِنَّةٌ منّ بها عليه، ومعروف أسداه إليه. وقيل: إنّ هرمز كان مظفَّرًا منصورًا لا يَمُدُّ يدَه إلى شيء إلَّا ناله، وكان مع ذلك أديبًا أريبًا داهيًا رديء النيَّة، قد نزعه أخوالُه الأتراك، وكان مُقْصِيًا للأشْراف،

<<  <  ج: ص:  >  >>