للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّه قتل من العلماء وأهل البُيوتات والشَّرف ثلاثَةَ عشر ألف رجل وستمئة رجل، وإنَّه لم يكن له رأيٌ إلَّا في تألِّفِ السَّفلة واستِصْلاحهم، وإنَّه حَبَس ناسًا كثيرًا من العظماء وأسْقطهم وحطَّ مراتبَهم ودرجاتهم، وجهَّزَ الجنودَ وقصَّر بالأساورة فَفسَد عليه كثيرٌ ممَّن كان حوله لِمَا أراد الله من تغيير أمرِهم وتحويل ملكهم - ولكلِّ شيء سبب - وإنَّ الهَرابِذة رفعوا إليه قصَّة يبغون فيها على النَّصارى، فوقع فيها: إنَّه كما لا قِوامَ لسريرِ مُلْكنا بقائمتيه المقدَّمتين دون قائمَتيه المؤخَّرتين، فكذلك لا قِوَام لملْكنا ولا ثباتَ له مع استفسادنا مَنْ في بلادِنا من النَّصارى وأهل سائر المِلَلِ المخالفة لنا؛ فأقصروا عن البغْي على النَّصارى، وواظبوا على أعمال البرّ ليرَى ذلك النصارى وغيرُهم من أهْل الملل [والأديان]، فيحْمَدوكم عليه، وتَتوق أنفسُهم إلى ملَّتِكم.

وحُدّثْتُ عن هشام بن محمد، قال: خرج على هرمز التُّرك - وقال غيره: أقْبَل عليه شابة ملك التُّرك الأعظم - في ثلاثمئة ألف مقاتل، في سنة إحْدى عشرة من ملكه، حتَّى صار إلى باذغيس وهَراة. وإنَّ ملكَ الروم صار إلى الضَّواحي في ثمانين ألف مقاتل قاصدًا له، وإنَّ ملك الخَزَرِ صار في جمْع عظيم إلى الباب والأبواب، فعاث وأخْرب، وإنَّ رجلين من العرب يقال لأحدهما: عبّاسُ الأحْول، والآخر: عمرو الأزْرق، نزلا في جمع عظيم من العرب بشاطئ الفرات، وشنُّوا الغارةَ على أهل السَّواد، واجْتَرأ أعداؤُه عليه وغزوا بلاده، وبلغ من اكْتِنَافهم إياها: أنَّها سُمِّيَتْ منخلًا كثير السّمام. وقيل: قد اكتنف بلادَ الفرسِ الأعداءُ من كلّ وجه كاكْتناف الوترَ سِيتَيِ القوْس. وأرْسل شابة ملك التُّرك إلى هرمز وعظماء الفرس يُؤْذنُهم بإقْبَاله في جُنوده، ويقول: رُمُّوا قناطرَ أنهارٍ وأودية أجتازُ عليها إلى بلادكم، واعْقدوا القَناطر على كلّ نهْرٍ من تلك الأنهار لا قنطرةَ له، وافْعلوا ذلك في الأنهارِ والأوْدية التي عليها مسْلكي من بلادكم إلى بلادِ الرُّوم لإجماعي بالمسير إليها من بِلادِكم. فاسْتفظَع هرمز ما وَرَد عليه من ذلك، وشاور فيه، فأجْمِع له على القصْد لملك الترك، فوجَّه إليه رجُلًا من أهل الرَّيّ يقال لَهُ: بَهْرام بن بهْرام جُشْنَس - ويعرف بجُوبين - في اثني عشر ألف رجل، اختاره بهرام على عينيه من الكهول دون الشَّباب. ويقالُ: إنَّ هُرْمز عرض ذلك الوقت من كان بحضرته من الديوانيَّة، فكانت عِدَّتهم سبعين ألف مُقاتل،

<<  <  ج: ص:  >  >>