فمضى بهرام بمن ضُمَّ إليه مُغِذًّا حتى جاز هَراة، وباذغيس، ولم يشعُر شابة ببهرام حتى نزل بالقرب منه مُعَسْكِرًا، فجرت بَينَهُما رسائلُ وحروبٌ، وقتَل بهرامُ شابَة برَمْية رماه إيَّاها. وقيل: إن الرّميَ في ملك العجم كان لثلاثة نفر، منها رمية أرششياطين بين مِنُوشهر، وأفراسياب، ومنها رَمْيَة سوخرا في التّرك، ومنها رمية بهرام هذه، واستباح عسكرَه وأقام بموْضعه، فوافاه برموذة بن شابة، وكان يعدل بأبيه، فحارَبَه فهزمه، وحصره في بعض الحصُون، ثم ألحَّ عليه حتَّى استسْلم له، فوخهه إلى هرمز أسيرًا، وغَنِمَ مما كان في الحصْن [وكانت] كنوزًا عظيمة.
ويقال: إنَّه حمل إلى هرمز من الأمْوال، والجوْهر، والآنية، والسلاح، وسائرِ الأمْتعة مِمّا غَنمَه وَقْرَ مئتي ألف وخمسين ألف بعير، فشكر هرمز لبهْرام ما كان منه بسبب الغنائم التي صارت إليه، وخاف بهرام سَطْوَة هرمز، وخاف مثْلَ ذلك منْ كان معه من الجنود، فخلعوا هرمز وأقبلوا نَحْوَ المدائن، وأظْهروا الامْتِعاضَ ممَّا كان من هرمز، وأنَّ ابنَه أبَرْويز أصلحُ للمُلْك منه. وساعَدَهم على ذلك بعض من كان بحضرةِ هرمز، فهرب أبَرْويز بهذا السبب إلى آذربيجان خوفًا من هرمز، فاجتمع إليه هناك عدّةٌ من المرازِبة والإصْبَهْبذين، فأعْطوْه بَيعَتَهُم، ووثب العظماءُ والأشرافُ بالمدائن، وفيهم بنْدى وبِسْطام خالا أبَرْويز، فخلعوا هرمز وسملوا عينيه وترَكُوه تَحَرُّجًا من قتله.
وبلغ الخبرُ أبَرْويز، فأقبل بمن شايَعَه من آذربيجان إلى دار الملك مُسابقًا لبهرام، فلما صار إليها استولى على المُلْك وتحرَّز من بهرام، والتقى هُو وهُو على شاطئ النَّهْرَوَان، فجرتْ بينهما مناظرةٌ ومواقفة، ودعا أبَرْويزُ بهرامَ إلى أن يؤمِّنَه ويرفع مرتَبَتَهُ ويُسْنِي ولايتَه، فلم يقْبَل ذلك، وجرت بينهما حروبٌ اضطرَّت أبَرْويز إلى الهرب إلى الروم مستغيثًا بملكها بعد حرْب شديدة وبيات كان من بعْضهم لبعض. وقيل: إنَّه كان مع بَهْرام جماعة من الأشدَّاء، وكان فيهم ثلاثةُ نفرٍ من وجوه الأتراك لا يعْدَل بهم في فروسيّتهم وشدَّتهم من الأتْراك أحدٌ، قد جعلوا لبهرام قتل أبرويز. فلمَّا كان الغدُ من ليلة البيات، وقف أبَرْويز ودعا الناسَ إلى حرب بهرام فتثاقَلُوا عليه، قصده النفر الثلاثةُ من الأتراك، فخرج إليهم أبْرويز فقتلهم بيده واحِدًا واحدًا، ثمَّ انصرف من المعْركة وقد أحسَّ من